Articles to read...

Sunday, April 30, 2006

بيضة من ذهب..لعلي السوداني

مكاتيب عراقية: بيضة من ذهب
علي السوداني
من الانباء اليقين والطازجة اليوم ان ثمة مقترحا يناقش ويجادل ويفحص ويشر خلف الستارة . المقترح يوصي او ينصح او يقترح تنصيب ثلاثة نواب لرئيس الوزراء بدلا من اثنين . فكرة جميلة ومعقولة ومهضومة وحسنة وحلوة ومفرحة كما رقصة باذخة مهداة للرعية من هيفاء وهبي . مبدئيا انا من المتحمسين للفكرة وساحاول البناء عليها والتنويع بقربها ليس بقصد المصادرة بل من اجل ايضاح وتلوين الصورة والاضافة بداعي اتمام الفائدة وفض بكارة الفتنة النائمة وابتسار الزمن وتطوير الرأي فأقول على ما قيل وارى على ما يرى ان يتم فورا تعيين عشرة نواب لرئيس الوزراء بدلا من صفقة الثلاثة ومعها سيتسع المشهد وتتطيب الخواطر ويعود الزعلان عن زعله وتتحول الزعلانة الى هلهولة عملاقة وتحظى القوائم الفائزة وأخياتها الراسبات والمعترضات بنائب رئيس وزراء يحل ويربط ويفسخ ويعين ويسافر الى قاهرة المعز ليمثل البلاد في احتفالية يوم الاصم العربي ويعرج على جيبوتي فيبصم معها على مسودة اتفاقية تجارة حرة غير مقيدة !!
على نفس النسيج ولأن العصي تأبى التكسر اذا ما اجتمعن واذا ما تفرقن تكسرت آحادا ، سنعين عشرة نواب لرئيس الجمهورية وعشرة لرئيس البرلمان وحيث ان الحكومة ستقوم على رؤوس ثلاثين وزيرا فسيكون بالقانون وبالمستطاع الذي يطاع تعيين وتثبيت عشرة نواب لكل وزير وهؤلاء سيشكلون جيشا مضموما من ثلاثمائة تظاهر نواب البرلمان وتسندهم وتخفف عنهم حر الصيف ووعثاء السفر ووحشة الدرب وبهذا التثوير المذهل سيكون المشهد السياسي العراقي كله في الحكومة بل من وجهة ثانية فأن هذا الحشد المسؤول سيسبب صداعا وازمة ووجعا ولوعة للأمريكان وما عليكم الآن الا ان تتخيلوا حال الحراس والمفتشين الامريكيين المزروعين على بوابات الجمهورية الخضراء وعند اعتاب بناية مجلس الوزراء في اليوم الاسبوعي المقرر لأجتماع الحكومة كلها . سيكون لدينا طابور طويل من الوزراء ونوابهم وسواقهم وحماياتهم وحقائبهم وقناني الماء العذب والبيبسي الطيب ولفّات البيض والعمبة والفلافل والهمبركر والسنيورة والجبن والقيمر بدبس من علاوي الحلة بل انا على يقين لا يقبل التراجع من ان احد الوزراء او نائبه او احدى الوزيرات او نائبتها من الذين درجوا او اللاتي درجن على شتم الاحتلال وسب الامبريالية لكنه رضي بالكرسي خدمة لعيون الرعية ، سيحمل في علاّقته النايلون سبع لفّات فشافيش واربعة رؤوس بصل وعرنوص ثوم طري وكيلو طماطة ومثله خيار قثاء او طعروزي وربطة صمون وبطل خل ومملحة وسكينة ام الياي وباكيت كلينكس وصابونة حصة وعيدان نبش اسنان وشريط مسجل يحتوي على سلة اغاني سياحية اشهرها التي تزبد وتتوعد وتهدد وتصيح " المايزور السلمان عمره خسارة " !!
طبعا المشهد اعلاه سيرفع حتما الكلفة النفسية التي يدفعها جنود وجنديات المحتل ما سيفضي تاليا الى تسريع هروبهم من البلد او جدولة الهزيمة وتسويغها !!
في وصفة تعميم المقترح سيـأتي كل وزير او نائب وزير فيوظف نصف العشيرة في مكتبه والنصف الاخر في حواشي وتخوم الوزارة وبحسبة دقيقة لاعداد القوى العاملة والشغيلة الجاهزة ستكون هذه الفكرة البديعة قد امتصت البطالة وبخرت العطالة وانعشت الاقتصاد الوطني من دون الرضوخ لأملاءات صندوق النقد الدولي ومزاجات الدول المانحة التي اذا ما تبدل رئيس وزراء احداها ، تنصل خليفته من دفع فاتورة الحساب وصم اذنيه عن مناحات العقاب ودعاءات الثواب حتى وضوح الرؤية !!
alialsoudani61@hotmail.com

للعودة الى موقــع: سيبقى العراق الى ألأبــــد

Saturday, April 22, 2006

الحرب الأهلية في العراق مكيدة دموية شريرة : للأستاذ محمــــد عـارف

الحرب الأهلية في العراق مكيدة دموية شريرة


للأستاذ محمد عارف

في العراق عندما لا يعيش للشيعي أولاد يسمي مولوده
الجديد عُمر، يفعل السنّي ذلك أيضاً فيُسمّي ابنه عباس. كلاهما يعتقد أن تسمية مولوده الجديد باسم محبّذ لدى الطائفة الأخرى يضمن له الحياة، أو كما يقول العراقيون: للعيشة. هذه حكمة غريزية يتوارثها العراقيون عبر القرون لا يُدركها القادمون على دبابات الاحتلال لحكم العراق. فمنذ فجر التاريخ تفاعلت وتعايشت في بلاد ما بين النهرين الأديان والأعراق والأجناس والقوميات واللغات واللهجات والمذاهب
والمعتقدات. إنفاق مليارات الدولارات على إنشاء أحزاب وحركات وبرامج وأساطير طائفية لن يغير خريطة الجينات "الموّرثات" في كل خلية من جسم الفرد العراقي, الذي يتكون، كجسم أي إنسان من تريليون خلية. هذا هو سر قيام أعرق الحضارات البشرية في بلد لم يشهد حرباً أهلية واحدة طوال تاريخه. ومن يضاهي العراقيين في قدرتهم على حفظ كيان دولتهم، وتأمين السلام الاجتماعي طوال 14 عاماً من حظر دولي شامل، وقصف شبه يومي، وتآمر كشف الغزو عن حجمه الحقيقي؟
لعبة الحرب الأهلية
مكيدة دموية أخرى في أجندة الحرب على العراق، التي استُخدمت فيها آلة إعلامية واستخباراتية جبارة خلّفتها الحرب الباردة. وقد فضحت أكذوبة أسلحة الدمار الشامل كيف تحوّل الإعلام العالمي إلى فرقة أوركسترا يتناوب على قيادتها مايسترو من لندن وواشنطن 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع. هذه الحرب النفسية الماكرة، التي لا مثيل في التاريخ لحجمها ومواردها مستمرة إلى حدّ اليوم. وتكتيك "اصدم وروّع"، الذي استخدم في غزو العراق يغذيه الآن المحتلون وأعوانهم بدماء السكان الأبرياء، من الأطفال والنساء. وتحوّل شهود الزور، الذين استُخدموا في اختلاق أكذوبة أسلحة الدمار الشامل إلى حُكّام لعبة الحرب الأهلية الدموية.
ويحطم القلب اتهام سُنة، أو
شيعة العراق بارتكاب جرائم القتل الجماعية وتخريب الأضرحة والمساجد. فالمسؤولية الفعلية والقانونية تتحملها الإدارة البريطانية والأميركية، والحكومات المتعاقبة، التي نصّبوها في المنطقة الخضراء. وساذج من يعتقد أن حلّ القوات المسلحة العراقية كان خطأ. فالناس في كل العالم يدركون ما قد يحل بسكان بلد من دون قوات جيش وبوليس وأمن.
وأيّ حرب أهلية يمكن أن
تقوم بين العراقيين، الذين يتفقون على أمر واحد، هو مناهضة الاحتلال، والرغبة في إنهائه؟ يعترف بهذا حتى جنرالات أميركيون جاءوا لتكرار تجربة يوغسلافيا في العراق. يذكر ذلك آخر التقارير الميدانية في صحيفة "نيويورك تايمز" عنوانه: "الانقسام العراقي يكرر صدى البوسنة". ينقل التقرير بروح استقصاء استخباراتية جو التوتر الطائفي بين السكان السُّنة في مدينة "جرف الصخر"، التي تبعد مسافة نحو 50 كلم جنوب بغداد، والشيعة في مدينة المسيب القريبة منها. ويختتم التقرير بشكوى من الاحتلال ينقلها جنود أميركيون عن ضابط الشرطة الشيعي صلاح الشمّري، الذي يقول لهم "كل ما أتمناه أن تقدروا على إعادة البلد إلى ما كان عليه عندما جئتم".
ويعرف كل من يملك
ثقافة بسيطة في التاريخ أن العراق ليس يوغسلافيا، وأرض الرافدين ليست أرض البلقان. يقرّ بذلك "جوناثان ستيل"، المعلق السياسي لصحيفة "الغارديان" البريطانية في تقريره الأخير من بغداد:

"حلفاء الولايات المتحدة وراء فرق الموت والتطهير العرقي". الحلفاء في تقديره هم المليشيات الطائفية، التي جاءت مع الاحتلال، كقوات بدر التابعة لما يُسمى "المجلس الأعلى". ويؤكد الكاتب السياسي البريطاني "روبرت فيسك" في حديث مع قناة تلفزيون "أي بي سي" الأسترالية أن فرق الموت في وزارة الداخلية العراقية هي المسؤولة عن ذلك. "ومن يدير وزارة الداخلية في بغداد"؟ يسأل "فيسك"، الذي نقل للعالم في أول أيام الاحتلال وقائع جريمة إحراق المتحف العراقي. ويجيب على تساؤله قائلاً: "يديرها من يدفع مرتبات موظفي وزارة الداخلية.. نحن سلطات الاحتلال".

ويجمع المراقبون المحايدون على أن هدف فرق الموت ليس مجرد
استهداف جماعة إثنية واحدة، بل توجيه العنف على الجميع لخلق أكبر ما يمكن من الخوف لإرهاب العراقيين وإخضاعهم. وكيف يفلح المحتلون في ذلك، إذا كانت حتى المنظمات النسائية غير الحكومية، التي أنشأوها تناهضهم الآن؟ يعكس هذا تقرير نتائج استقصاء ميداني منشور في نشرة "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" IRIN. يذكر التقرير، وعنوانه "الجماعات النسوية تقول: النساء كنّ أكثر احتراماً تحت حكم صدّام" أن الاستقصاء الميداني كشف عن "تردّي ظروف حياة المرأة العراقية عمّا كانت عليه تحت ظل النظام السابق وانتقاص حقوقهن". وذكرت سنار محمد، رئيسة "منظمة حرية المرأة" المساهمة في تنظيم الاستقصاء الميداني أن "الحقوق الأساسية للمرأة كانت مضمونة في الدستور السابق، والأهم من ذلك أن مكانة النساء كانت محترمة أكثر من الوقت الحالي، وكنّ يتولين مناصب مهمة في الدولة". واعترفت النساء المساهمات في الاستقصاء بأنهن اعتقدن "عندما دخلت القوات الأميركية العراق أن هذه قد تكون فرصة عظيمة لسماع صوت نساء العراق، لكن حدث العكس".
وتتكرر
الشهادات عن التحول الحاد في مواقف النساء في تقرير من العراق أعده يحيى سعيد، الباحث في "كلية لندن للاقتصاد". التقرير منشور بعنوان "العراق تحت ظلال الحرب الأهلية" في العدد الأخير من المجلة الدولية Survival. ويذكر الباحث أنه "صُدم" عندما قالت له أرملة رجل لم يُعرف مصيره منذ اعتقلته سلطات النظام السابق عام 1979 إن "الأوضاع كانت أفضل خلال سنوات صدام الأخيرة مما هي عليه الآن". ويقارن يحيى سعيد ذلك بتصريح المرأة نفسها له قبل سنتين "أنها تحب الأميركيين، وأنها على استعداد لدفع أي ثمن لمجرد التخلص من صدام".
وأيّ حرب أهلية وقد أفلست أخلاقياً محاولات استبدال
الهوية الوطنية للعراقيين بالتقسيم الطائفي؟ "البيان الشيعي" المشهور تناساه حتى الموقعون عليه، كموفق الربيعي، مستشار الأمن القومي، وعادل عبد المهدي، المرشح لرئاسة الوزارة، وحسين الشهرستاني، نائب رئيس البرلمان، ومحيي الدين الخطيب، سفير العراق في اليونسكو.

في حين يعتذر مثقفون شيعة معروفون عن مناهضتهم للنظام السابق. عبد الهادي التميمي، الذي عمل 12 سنة في "بي بي سي" وقناة "الجزيرة" يعلن "أنا نادم على معارضتي لنظام صدام حسين"، وعلي الصراف، الذي غادر بغداد، والتحق بصفوف المعارضة المسلحة في شمال العراق عند تولي صدام حسين رئاسة الجمهورية كتب أخيراً في إحدى صحف لندن "رسالة اعتذار إلى ديكتاتور رائع". تشكل المقالة وثيقة نادرة في الأدب السياسي العربي، يسأل فيها الكاتب عدوّه السابق صدّام حسين عمّا يفكر فيه، إذ يرى حكام العراق الحاليين، الذين "صنعوا بلداً يشبههم تماماً، بلداً أسوأ". ويأخذ عليه في ختام الرسالة أخطاءه الكثيرة، ويعترف له بأنه أصاب كثيراً، "أما أنا فقد كنت على خطأ دائماً، وأنا أعتذر.. وأبكي من مقلتي دماً على عراق أضعناه كما لم نُضِع بلداً".

نشرت في صحيفة ألإتحـاد ليوم 20 نيسان 2006

للعـودة الى الصفحة السابقــة

Tuesday, April 18, 2006

نحن وايران وحزب الله.. للأستــاذ صــلاح المختـــار

نحن وايران وحزب الله

صلاح المختار

تطرح جهات وطنية رأيا محددا منذ اخذت امريكا وايران تصعدان الموقف بينهما ، وهو ان من الضروري ان تتوقف الحملة على ايران وحالات النقد لحزب الله والتي تصدر من جهات وطنية عراقية ن لمواجهة التحدي الامريكي . اننا من حيث المبدأ نرى ان الصراع الرئيسي ليس مع ايران بل مع امريكا ، وان العدو الرئيس ليس ايران بل امريكا ، بغض النظر عن موقف ايران من الغزو الامريكي للعراق وما قامت به منذ حدوثه وحتى الان . وذلك الموقف ليس بالجديد ابدا بل هو قديم قدم الصراع العراقي – الايراني في العصر الحديث، سواء في زمن الشاه او زمن خميني . واستنادا الى هذا الموقف المبدأي الثابت فاننا نرحب بالدعوة لتوقف الحملة على ايران ونرى فيها خطوة عظيمة للتعجيل بطرد امريكا من العراق واستكمال مهمة تحرير الوطن العربي من الاستعمار الغربي والصهيونية . وهذا يتطلب منا ان نوضح اننا حينما نرفض سياسات ايران تجاه العراق والامة العربية وننتقد حزب الله احيانا ، فلاننا ندافع عن انفسنا ليس بفعل اصلي بل برد فعل مفروض علينا ، نريد من خلاله ازالة التشويه الذي يقوم به الطرف الاخر تجاهنا . وحينما كتبت ردا على الاستاذ حسن نصر الله فانني كنت غير مختار بل مجبر، بعد ان اصبح الهجوم على البعث احد اهم ركائز خطب نصر الله ، وبعد سكوت طويل جدا اردنا من خلاله ان نتجنب الانجرار الى معركة غير معركتنا ومع طرف هو ليس العدو الحقيقي لنا .

ولكن ومع تاكيد هذه الحقيقة فان الدعوة لايقاف الصراع مع ايران تتطلب طرح بعض الملاحظات الجوهرية لتجنب التحول الى اداة تخدم ايران في لعبة عض الاصابع مع امريكا حول النفوذ في المنطقة ، وهذا بالطبع يضر بمصالح العراق والامة العربية بصورة خطيرة.

واول ما يجب التفكير به والتركيز عليه هو ان هذا الطرح قد يبدو طبيعيا وضروريا اذا لم نأخذ بنظر الاعتبار موقف ايران من الاحتلال الامريكي في العراق ، من جهة واذا لم نتذكر من هو الطرف الذي كان ومازال يفرض الصراع ويرفض حله لخدمة الطرفين أي العرب وايران وليس طرف واحد فقط ،من جهة ثانية ، واذا لم نحدد اين يدور الصراع الرئيسي من جهة ثالثة .

لنبدا من الملاحظة الاخيرة لانها هي الفيصل في أي نقاش حول الوضع في المنطقة : اين يدور الصراع الرئيس ؟ في العراق ام في ايران ؟ من البديهي ان الصراع الرئيسي ، اقليميا وعربيا وعالميا ، وبشكل خاص منذ غزو العراق ، يدور في الساحة العراقية وليس في أي ساحة اخرى على الاطلاق ، وهذا يشمل الصراع العربي – الصهيوني ايضا ، لان ساحته الان ملحقة بالساحة العراقية وسيتقرر مصير القضية الفلسطينية على ارض العراق ، تماما كما سيتقرر مصير كل الصراعات الاخرى في العالم على ساحة العراق . وهذه الحقيقة الستراتيجية التي فرضت نفسها على المنطقة والعالم لاتعني ، ولا تلغي ابدا حقيقة مبد أية وثابتة وهي ان القضية المركزية كانت وستبقى هي القضية الفلسطينية وان هذه القضية هي الاساس في الصراع العراقي – الامريكي والمقرر لاتجاهه ونهاياته . لذلك يحب ان نميز بين مفهومين الاول هو القضية المركزية وهي ثابتة ولا تتغير والثاني هو الصراع الرئيس ، فالاول هو مبادئ وحقوق ثابتة والثاني هو ستراتيجية تعتمد على متغيرات ومعطيات تتجدد وتتغير تبعا للظروف الموضوعية ، ولذلك تتغير ساحات الصراع العربي الصهيوني كلما تغيرت موازين القوى وتبدلت رموز الصراع ، وعلى هذا الاساس كان الصراع الرئيس في الخمسينيات والستينيات مركزه مصر عبدالناصر .

وحينما نقول ان اساس الصراع العراقي – الامريكي هو القضية الفلسطينية فنحن لا نخترع شيئا بل هو واضح تماما من مجرى الصراع الرئيس في المنطقة ، خصوصا منذ فرض الحصار على العراق ، فالواقع العياني يؤكده والموقف الرسمي الامريكي يثبته . ففي الواقع رأينا ان امريكا قد ركزت قواها الرئيسية والاحتياطية لضرب العراق وتجربة النهوض القومي فيه ، وعلى مستوى رسمي قامت السياسات الامريكية منذ زمن بعيد على مبدأ ثابت وهو ان العراق بقيادة البعث والسيد الرئيس صدام حسين فك الله اسره عدو لا يمكن التفاهم او التفاوض معه ولذلك يجب اسقاط النظام في العراق ، اما ايران فهي دولة لامريكا خلافات معها لكن هذه الخلافات لاتصل الى حد اسقاط النظام كما هي حال العراق ، بل الضغط عليها من اجل تغيير سياساتها . هل هذا ااستنتاج منا وراى خاص بنا ؟ بالتاكيد كلا ان ما ذكرناه هو جوهر اهم سياستين اعتمدتهما امريكا تجاه العراق وايران وهما سياسة (الاحتواء المزدوج) التي وضعا انتوني ليك مستشار الامن القومي ومارتن انديك ، الاسرائيلي الذي صار سفيرا ووكيلا لوزير الخارجية الامريكية ، وتبنت هذه السياسة رسميا ادارة بيل كلنتون ، وسياسة (محور الشر) التي تبنتها ادراة بوش الابن ، ومن يريد ان يطلع على هاتين السياستين يمكنه ان يدرك الفرق الجوهري والدقيق في الموقف الامريكي تجاه كل من العراق وايران . وهذا التمييز بين العراق وايران انتج سياسة ثالثة مشتقة في زمن كلنتون وهي سياسة الاحتواء التمايزي .

والان نجد التعبير الدقيق عن هذه السياسات في التاكيدات الامريكية المتكررة بانها تريد حلا سياسيا مع ايران ، رغم ان ايران قد اكملت خطوات مهمة من مشروعها النووي بمساعدة بريطانيا وامريكا والمانيا واليابان ، دون اعتراض حقيقي كما حصل مع العراق حينما قصف مفاعل تموز قبل ان يكتمل ! ما معنى هذا على المستوى الستراتيجي والعملياتي ؟ انه يعني ويؤكد ان العراق هي ساحة الصراع الرئيسية في العالم كله وليست ساحة ايران التي تعد ساحة ثانوية وملحقة بالصراع الاول ، وهذه الحقيقة الستراتيجية تنطبق على لبنان الذي يعد ايضا ساحة صراع ثانوي وملحق . ويترتب على هذه الحقيقة ان كل ما يجري في أي مكان يبقى حدثا ثانويا مقارنة بما يجري في العراق . وقد اكد ذلك وجود تعاون ايراني امريكي حول العراق لم ينقطع منذ ما قبل الغزو الامريكي للعراق ، واتخذ الان شكل اتفاق رسمي ومعلن على ايجاد الية للتعاون الامريكي – الايراني حول مشكلة الثورة العراقية المسلحة . وكون العراق هو الساحة الرئيسية يتطلب ، ويقود الى ، الاعتراف بان الموقف من الثورة العراقية المسلحة هو الذي يفرز القوى والدول ويحدد طبيعتها ومعسكرها ، فمن يقف مع الثورة العراقية ينحاز تلقائيا الى جانب الحق والعدالة وبالاخص في فلسطين والقضية الفلسطينية ، ومن يقف ضد هذه الثورة يصطف تلقائيا وموضوعيا مع امريكا والصهيوينة العالمية . وهذا المعيار التقويمي لا يخطئ ويجب التمسك به ، حتى لو تعرضت ايران الى قصف انتقائي لمواقع نووية محددة .

الملاحظة الثانية وهي العملية ، تتمثل في الاجابة على السؤال التالي ما هو موقف ايران من غزو العراق ؟ رغم الاعلان الرسمي الايراني بان ايران محايدة تجاه الصراع الامريكي – العراقي فان الوقائع العيانية الثابتة تؤكد غير ذلك ، فايران طرف اساس في غزو العراق ، سواء عبر الحوزة الطائفية في النجف التي اصدرت فتاوى تمنع فيها مقاومة الغزاة بعد بدء تقدمهم ، او باستخدام الجماعات الايرانية او الموالية لايران في تنفيذ مهام اساسية في عملية الغزو المسلح ، مثل مهاجمة الجيش العراقي وهو يقاوم الغزاة ، او باشتراك هذه الجماعات في مجلس الحكم الذي اسسه الاحتلال الاستعماري ، او قيام ايران باول اعتراف بحالةالاحتلال بارسال وفد رسمي للتعاون مع ادارة العراق المحتل ، او بقيام المخابرات الايرانية بعمليات اغتيال لمئات العلماء والطيارين والضباط العراقيين اونهب مصانع العراق واسلحته بمساعدة امريكا ...الخ .

ان التعاون الايراني مع الاحتلال وكون جماعات ايران هي القوة الاساسية الداعمة للاحتلال والمتعاونة معه في ذبح العراقيين وتدمير مدنهم ، يجعل ايران في مقدمة الاطراف التي تناهض الثورة العراقية المسلحة وتعمل بكافة الطرق للقضاء عليها . اذن السؤال المركزي الذي يفرض نفسه هو التالي : هل يمكن التعاون مع ايران وهي تشن حرب ابادة ضد الشعب العراقي ومقاومته الوطنية ؟ ان احدى مصائبنا مع ايران عبر التاريخ هي انها تنكر ما نراه باعيننا ونعاني منه يوميا ، وهذا الانكار يعقد الصراع العربي الايراني ويضيف اليه عوامل اكثر خطورة لان التفاهم على قواسم مشتركة بين طرفين مستحيل في ظل انكار احد الاطراف لدوره مع تيقن الطرف الاخر منه ّ! لذلك ومالم تتوقف ايران عن دعم الاحتلال الامريكي بواسطة جماعاتها في العراق او بواسطة سياساتها الرسمية ومنها انها تسمح لنفسها بالتعاون مع امريكا رسميا حول العراق وتقرير مصيره ، مع ان اتفاقية الجزائر التي الغتها ايران بعد سقوط الشاه قامت على ركيزتين ، الاولى تقاسم شط العرب عند خط الثالوج وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين .

ما نطلبه امر طبيعي وسهل اذا كانت ايران لا تضمر اهدافا اخرى نراها نحن بوضوح ، فنحن لا نفرض شروطا صعبة التطبيق بل نريد ما يعترف العالم كله بانه حق طبيعي لاي دولة وهو الامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية . فاذا توقفت ايران عن ذبح العراقيين باياد عراقية او ايرانية ، واذا امتنعت عن عقد صفقات مع امريكا على حساب العراق وسيادته واستقلاله فان الطريق سيكون مفتوحا لتعاون عربي ايراني جاد .

من يفرض الصراع ؟العراق ام ايران ؟
ليس هناك اكثر ايلاما من حقيقة ان من فرض الصراع وادامه ورفض حله في العصر الحديث هو ايران وليس العراق او العرب . ففي زمن الشاه كان هو الذي يتحرش ويتوسع على حساب العرب ، ففي العراق تجاوز على الاتفاقيات القديمة واخذ يتدخل في الشان العراقي خصوصا في المنطقة الكردية العراقية وهذا امر اثبتته الوثائق والوقائع . كما ان الشاه احتل الجزر الثلاث العائدة للامارات العربية المتحدة . وحينما سقط الشاه كان اول شعار لايران الجديدة هو(بعد اسقاط الشاه جاء دور صدام)! ورغم الموقف الايجابي العراقي من قيام الثورة وارسال اول برقية تهنئة لقيادتها من رئيس جمهورية العراق المرحوم احمد حسن البكر فان الرد كان مهينا على تلك التهنئة كما يعرف المطالعون . كما كل الوساطات التي سبقت الحرب وكانت تستهدف تخيف التوتر بين البلدين قد اصطدمت بالاصرار الايراني على اسقاط البعث ونظامه! اضافة لذلك خابت امال من توقعوا ان (ايران الثورة) ستعيد الجزر الثلاث للامارات لان الموقف لم يتغير واصرت (ايران الثورة) على الاحتفاظ بما نهبه الشاه من العرب! واذا كنا الان نواجه محنة وقوف ايران مع امريكا سوية في عملية تدمير العراق ومحاولة تقسيمه ، فان الواجب الوطني والمنطق والحكمة تفرض علينا ابداء الاستعداد للتطبيع مع ايران اذا ابدت ايران استعدادا حقيقيا للتوقف عن التدخل في العراق وقتل ابناءه ومحاربة مقاومته المسلحة الامل الوحيد للعراق في الانقاذ وطرد الاحتلال والممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي .

نعم لا مانع لدينا من التعاون الجاد مع ايران ضد التحديات الخارجية اذا كانت هي مستعدة للتوقف عن السياسات التي جرت المنطقة للكوارث والماسي . ولا يتطلب ذلك الان نقدا ذاتيا بل ايقافا للتعاون الايراني مع امريكا وبدء حوار عراقي ايراني هدفه العثور على قواسم مشتركة وتطويرها تدريجيا بما يخدم الطرفين الامة العربية وايران .

نعم انه رد فعل وليس فعل اصلي

في ضوء ما تقدم نصل الى النتيجة الطبيعية وهي ان الصراع بين ايران والامة العربية لم يكن بمبادرة من أي طرف عربي على الاطلاق بل كانت ايران هي المبادرة دوما بالعدوان والتوسع والرافضة دوما للتراجع عن سياساتها وكان العرب دائما يبدون الاستعداد للتعاون وفتح صفحة جديدة لكن الردود الايرانية كانت دائما الاحتفاظ بالمكاسب التي حصلت عليها من العرب والطلب منهم نسيان حقوقهم والتعامل معها على اساس الامر الواقع ! ان من يريد التاكد من ذلك عليه ان يراجع ما جرى في العقود الخمسة الماضية فاحداثها ووثائقها تؤكد ما ذهبنا اليه . لذلك فان الكرة الان في ملعب ايران وليس في ملعبنا ، وما نقوم به احيانا من اشارات الى الدور الايراني في العراق ما هي الا حق دفاعي مشروع وهو بهذا المعنى موقف دفاعي وليس هجومي واجراء اضطراري وليس سياسة ونهج دائمين.

اننا اذ نؤكد على ان العدو الرئيسي ليس ايران بل امريكا وان ايران مهما فعلت تبقى جار لنا لا نستطيع ازالتها ولا نريد ذلك كما انها لا تستطيع ازالتنا من الخارطة ، ولذلك فان الخيار الذي يخدم الطرفين هو التعاون النزيه واحترام المصالح الخاصة بكل طرف وعدم التدخل في شأنه الداخلي . ونقطة البداية الطبيعية لتطبيع العلاقات مع ايران هي توقفها عن دعم الاحتلال والتعاون معه وايقاف الحملة الدموية ضد العراقيين خصوصا ضباط الجيش الوطني وطياريه وعلماءه . اما اذا اصرت على انكار هذا الدور في العراق فمن المؤسف القول ان ايران تريد ان تستمر في تدمير العراق وبنفس الوقت تطلب من العراقيين ان لا يصرخوا تألما او يدافعوا عن انفسهم ّ! اننا مع ايقاف الحملات المتبادلة بين الشعب العراقي ومقاومته البطلة وايران ومع التطبيع والتعاون ولكن ذلك مشروط بايقاف ذبحنا وسحب السكين الايرانية من رقبة العراق .

واخيرا نقول ان حل هذا الاشكال مع ايران سيقود الى حل بعض مناوشاتنا العرضية مع حزب الله تلقائيا .

salahalmukhtar@hotmail.com

للعــودة الـى موقــع: سيبـقى الـعــراق الـى ألأبـــــد

Friday, April 14, 2006

مستقبل المقاومة العراقية .. للأستاذ معن بشـور

مستقبل المقاومة العراقية

معن بشور

بيروت في 12/4/2006

في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، وفي ساحة الفردوس القريبة من فندق فلسطين، الذي كان مركز تجمع مراسلي وسائل الإعلام الذين تجمعوا بالمئات لتغطية أخبار الحرب الأمريكية – البريطانية على العراق، انطلقت القذائف الأولى لحرب العراقيين على الاحتلال، ولتعلن على مرأى من هذا الحشد الإعلامي أن الساحة التي اختارتها قوات الاحتلال لتعلن من خلالها إعلاميا سقوط عاصمة الرشيد عبر إسقاط مبرمج لتمثال الرئيس العراقي عبر عملية مخططه مسبقا، كما تبين لاحقا، قامت بها احدى شركات العلاقات العامة الأمريكية، هي ذاتها الساحة التي انطلقت منها المقاومة.

وعلى الرغم من أن المحتل وعملاءه حاولوا إغراق هذه العملية الرمزية، التي كان لها مثيلات في أنحاء متعددة من العراق لم يسمع بها العالم، بسيل من عمليات السطو والنهب والسرقة المنظمة التي عمت المدن العراقية ومتحف بغداد والمرافق العامة والمكتبات والجامعات والمختبرات والمؤسسات العربية، إلا أن من يعرف الشعب العراقي بوطنيته العالية، وبشجاعته المميزة وايمانه العميق، وبعنفوانه الذي يأبى له الخنوع والإذعان، كان متأكدا أن هذه الرصاصات تعلن ولادة عصر جديد في حياة العراق والأمة والعالم بأسره.

واذكر أن الكثير من التشكيك والسخرية والإشاعات المغرضة قد واجهتنا في " الحملة الأهلية لنصرة فلسطين والعراق" ونحن ندعو إلى "مهرجان الدعم للمقاومة العراقية" في قاعة الاحتفالات الكبرى في الأونيسكو في 18 نيسان 2003، أي بعد اقل من عشرة أيام على احتلال بغداد، والذي حضره الآلاف من المواطنين وتكلم فيه ممثلو القوى المشاركة في الحملة الأهلية وسط حصار إعلامي خانق تخلله تشويه متعمد لهذه التظاهرة القومية يحمل في طياته تبرما" متوترا" من هذا الإصرار على متابعة التضامن مع العراق المحتل، بعد تضامننا مع العراق المحاصر لأكثر من 13 عاما، ومع العراق المواجه لأشرس عدوان وغزو على مدى أسابيع ثلاثة.

لم يكن ذلك الحصار الإعلامي مجرد تعبير عن رغبة محمومة ومدفوعة الأجر في صرف الأنظار تماما عن كل ما يتعلق بالعراق فقط لكي يستتب الأمر للمحتل وأدواته الإمساك الكامل بمقاليد العراق ومقدراته، بل كان أيضا جزءا من خطة إعلامية كبرى أنفقت عليها المليارات، واستخدمت فيها، وما تزال، كل وسائل التعتيم والتضليل والتشويه تنفيذا لتكتيك إعلامي شهير أرسى قواعده غوبلز الشهير وزير إعلام هتلر على أساس " أن تكذب.. وتكذب .. وتكذب، فلا بد أن يصدق الناس بعض كلامك".

غير أن الكذب هذه المرة كان يعتمد على آليات التطور الهائل في وسائل الاتصال والإعلام ونقل المعلومات، وكان منخرطا فيه رئيس الدولة الأكبر جورج دبليو بوش ومعاونوه الذين لم يخرجوا من كذبة على شعبهم والعالم ألا ليدخلوا في كذبة أخرى، فكانت الأجواء الممهدة للعدوان ملوثة بمزاعم كاذبة، وكانت الأجواء المرافقة للعدوان مليئة بالمعلومات الكاذبة، تماما كما كانت الأجواء اللاحقة للعدوان محشوة بادعاءات ووعود كاذبة يستغرق سردها ساعات طويلة، لعلى أبرزها دون شك الادعاء بنشر الديمقراطية في العراق وسط سموم المفردات والمصطلحات والمحاصصات العرقية والطائفية والمذهبية، وفي زنازين أبي غريب وكوبر والمئات غيرها من المعتقلات الأمريكية والبريطانية وملاجىء وزارة الداخلية، تماما كما الوعود المتلاحقة بالقضاء على المقاومة خلال أسابيع، وبعد كل عملية أمنية كبرى، يعطى لها اسم، خاص مطّعم بكل أنواع الخناجر والرماح، والتي لم تترك مدينة عراقية في الشمال والغرب والوسط والجنوب العراقي، إلا وعرّضتها لدمار منهجي شامل، استخدمت فيها أسلحة محرمة دوليا"، كالفسفور الأبيض في الفلوجة، ومع لك لم تكن تلك العمليات تنتهي إلا ويخرج المجاهدون منها أكثر قوة، وأكثر عزيمة على ملاحقة العدو.

وكلكم يذكر تلك الحملة الواسعة من التضليل الإعلامي التي كان يقوم بها المحتل اثر أية عملية اعتقال أو اغتيال موحيا" انه قضى بها على رأس المقاومة، وان نهايتها باتت قريبة وحتمية، ليكتشف العالم كله أن المقاومة باتت أكثر قوة واندفاعا لانها مقاومة شعب باسره، قبل ان تكون مقاومة فرد او قائد او حزب او جماعة.

الم تسمعون بالضربات القاصمة للمقاومة بعد اعتقال نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان ثم بعد اغتيال الشهداء عدي وقصي ابناء الرئيس العراقي الاسير وحفيده الشهيد مصطفى في تموز/يوليو 2003، ثم اثر اعتقال الرئيس العراقي نفسه في 15 كانون الاول/ديسمبر 2003، وقد اعلن المحتل يومها انه اسير حرب فاذا به يحال مع رفاقه الى محكمة غير شرعية بكل المقاييس والقوانين، المحلية منها والدولية، وبكل الاتفاقات المعنية بادارة شؤون المناطق المحتلة او بمعاملة اسرى الحرب.

انني اذ خصصت هذا الجزء من حديثي اليوم للإعلام فلأنكم تدركون ان جزءا" رئيسيا" من الحروب والضغوط والمناورات التي تواجهنا اليوم بات إعلاميا"، وان العديد من الاعلاميين الاحرار او المخلصين لمهنتهم باتوا امام خيارين لا ثالث لهما، اما الانسياق في خدمة هذه الآلة الاعلامية العظمى التي تقودها دائرة ضخمة في البنتاغون شكلت عشية الحرب على العراق، واطلق عليها دائرة التضليل الاعلامي وخصصت لها المليارات، او ان تلتحق بقافلة شهداء الصحافة الذين بلغ عددهم في العراق اكثر من 40 شهيدا، بدءا بالشهيد طارق ايوب وصولا الى الشهيدة اطوار بهجت مرورا بوليد خالد ناهيك عن اغلاق فضائيات وتفجير مكاتب، وتهديد اعلاميين.

ولقد روى لي احد الاصدقاء العراقيين العارفين بمجريات الامور ان كثير من الصور التلفزيونية التي تبث حول الاضرار التي الحقتها عملية المقاومة باحياء في المدن العراقية، انما تكون بالاصل عملية ناجحة ضد قافلة عسكرية امريكية، فيحاصر المحتل المنطقة ويخلي الاليات والاصابات الامريكية، ثم يصور مسرح العملية لتبدو وكأنها استهدفت بالاصل الاحياء المدنية العراقية، وقد دفع هذا التكتيك الاعلامي ببعض تشكيلات المقاومة الى ان تصور عملياتها وتبث الصور، لتواجه عبر مواقع محدودة للانترنت حربا" اعلامية سخرت لها الطاقات والامكانات ووسائل الضغط المختلفة، ناهيك عن المليارات من الدولارات ساهمت بتوفيرها مع الاسف حكومات عربية، وبالحماسة ذاتها التي ساهمت بتوفير ظروف نجاح العدوان على العراق، متناسية في كل ذلك، ليس مواثيق الاخوة والمعاهدات الملزمة، بل ان في سقوط العراق وانهياره، لا قدّر الله، سقوط لدول وكيانات وانظمة عربية واسلامية عديدة في المنطقة.

ويدرك العراقيون جيدا" ان الكثير من العمليات التي تستهدف تجمعات مدنية عراقية، وبيوت عبادة على انواعها انما يقف وراءها الاحتلال وادواته واعوانه، بل والموساد الصهيوني الذي دخلت شبكاته العراق مع قوت الاحتلال، وذلك لتحقيق اغراض ثلاثة اولها تشويه صورة المقاومة بعد ان يأس المحتل من القضاء عليها، وثانيها الانتقام من الشعب العراقي الذي تثبت كل الاستطلاعات رفض اكثريته الساحقة للاحتلال، وثالثها التمهيد لحرب اهلية تكون مبررا" لبقاء الاحتلال من جهة ومدخلا" لتقسيم العراق والمنطقة بأسرها من جهة أخرى، وهو التقسيم الذي كشفت الكثير من الوثائق عن انه مشروع صهيوني قديم ألبسته تل أبيب وواشنطن لباس مشروع الشرق الاوسط الجديد او الكبير ".

ويتساءل هؤلاء العراقيون، ونحن معهم، بأنه اذا كانت المقاومة فعلا"، كما يصورون هي لقتل الشعب العراقي، فمن اين جاءت هذه الخسائر البشرية والعسكرية المتعاظمة في صفوف جيش الاحتلال، وقد بلغت بالاف القتلى، حتى في الشهادات الرسمية ( وصل الرقم بالامس الى 2562 عسكريا امريكيا وبريطانيا")، وبعشرات الاف الجرحى، حيث اعترف مدير المستشفى العسكري الامريكي في المانيا نفسه ان عدد الجرحى الذين استقبلتهم مستشفاه قد بلغ الى اسابيع مضت، اكثر من 16 الف جندي، أكثر من 54% - حسب مصادر البنتاغون نفسه - لم يعد صالحا" للعودة الى الخدمة العسكرية مرة اخرى.

وفي اكثر التقديرات الامريكية تفاؤلا ان اكثر من ثلث القوات الامريكية في العراق قد خرج من المعركة فعليا" اما كقتيل او كجريح او كمريض عقليا ونفسيا (بلغ عددهم اكثر من 600 عسكري) او كفار من الخدمة، حيث بلغ عدد الفارين الى كندا وحدها حوالي اربعة الاف عسكري، بالاضافة الى ثلاثة الاف فروا من الخدمة، ناهيك عن النسبة العالية من الضباط الشباب الذين يتركون الخدمة في القوات المسلحة فور انتهاء عقود عملهم.

ففي مقالة له في "النيويورك تايمز" قبل يومين اعلن توم شنكر ان اكثر من ثلث خريجي عام 2000 من اكاديمية وست بوينت العسكرية الذائعة الصيت، قد تركوا الخدمة الفعلية لحظة انتهاء مدة العقد الذي وقعوه بعد تخرجهم، وكشف ان حوافز عديدة تقدمها القيادة العسكرية لجذب الضباط الشباب الى تمديد عقود الخدمة في الجيش الامريكي.

ولمزيد من الاطلاع على الحالة النفسية للجنود الامريكيين في العراق، نشرت دراسة مشتركة لمؤسسة الزغبي الدولية ولكلية لوموين ان 72% من الجنود الامريكيين دعوا الى الانسحاب من العراق في مدد لا تزيد عن 12 شهرا"، بينهم 29% دعوا الى انسحاب فوري لهذه القوات.

وفي استفتاءات اجرتها بشكل مشترك جريدة "الواشنطن بوست" مع شبكة A.B.C. للانباء، ونشرتها امس في 11/4/2006، انعكس بوضوح مزاج الجنود الامريكيين في العراق على اهلهم داخل الولايات المتحدة، حيث بلغت شعبية الرئيس بوش الابن ادنى مستوياتها منذ توليه الرئاسة أي 38% فيما بدا ان اكثر من ثلثي الشعب الامريكي غير راض عن ادارته لشؤون بلاده.

وتبرز اهمية هذه الاستطلاعات انها تأتي عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الامريكي حيث سيعاد انتخاب نصف اعضاء الكونغرس، وكل اعضاء مجلس النواب في الخريف القادم، مما قد يؤدي الى فقدان الرئيس بوش للغالبية الجمهورية في المجلسين، والتي تمتع بها حتى الآن في سنوات حكمه منذ عام 2000، ومما قد يزيد من احتمالات لجوء الاغلبية الديمقراطية الى المطالبة باجراءات عزل بحقه (Impeachment) في ضوء اكاذيبه حول حرب العراق، وقضية التنصت، وقضايا الفساد التي غرق فيها كبار مساعديه، ناهيك عن فضيحة تسريب اسم عميلة الاستخبارات الامريكية للانتقام من زوجها السفير الذي رفض ان يشارك في كذبة الادارة حول شراء العراق من النيجر موادا" تستخدم في اسلحة الدمار الشامل، وهي الفضيحة التي طالت حتى الان السيد ليبي كبير مساعدي نائب الرئيس ديك تشيني، والذي افاد امام لجنة في الكونغرس بان التسريبات المتهم بها قد جرت بأمر من البيت الابيض.

فهل نحن امام فضيحة "ليبي غايت" شبيهة بفضيحة "واترغيت" التي اطاحت بنيكسون عام 1974، بل هل نحن امام فضائح "عراق غيت" تودي بادارة كاملة نجحت في ازهاق ارواح الامريكيين، وزعزعة اقتصادهم، واعادة العجز الى ميزانيتهم بنسبة 500 مليار دولار ( وهو رقم قياسي)، ناهيك عن تصاعد الديون الخارجية الى ارقام مذهلة.

واذا لاحظنا ان نسبة العجز هذه في الميزانية الامريكية تكاد تقارب نفقات الحرب في العراق وافغانستان، التي وصلت الى اكثر من 400 مليار دولار، نستطيع ان ندرك حجم التأثير الذي تحدثه المقاومة العراقية، ومعها المقاومة الافغانية، اساسا" داخل المجتمع الامريكي.

ومن يتابع وسائل الاعلام الامريكية، خصوصا عشية الذكرى الثالثة لاعلان الحرب العدوانية على العراق وبعدها، ومن يواكب مسلسل الكتب الامريكية التي تصدر تباعا" عن هذه الحرب، ومن يقرأ التقارير الصادرة عن مراكز الدراسات الامريكية لا سيما معهد بروكينغز، وتقارير اللجنة الدولية للازمات، وشهادات الخبير الاستراتيجي توني كوردسمان امام الكونغرس الامريكي، يدرك حجم الزلزال الذي احدثته المقاومة العراقية، داخل الادارة الامريكية، وداخل المجتمع الامريكي على حد سواء، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو شهادة ثلاثة من كبار الضباط الامريكيين حول هذه الحرب.

ففي المقابلة التلفزيونية التي جرت في 2 نيسان/ابريل الحالي مع الجنرال انتوني زيني الذي كان قائدا" للقيادة المركزية للقوات المسلحة الامريكية قال: "ان وزير الدفاع رامسفيلد، مع آخرين، ينبغي مساءلته ومحاسبته عن العديد من الاخطاء التي ارتكبت في العراق وانه عليه ان يتنحى".

وفي مقالة كتبها في النيويورك تايمز في 19 آذار/ ابريل الماضي الجنرال المتقاعد بول ايتون الذي قاد تدريب القوات العراقية على مدى عام بعد الغزو قال: لقد كان على الرئيس بوش ان يقبل استقالة رامسفيلد التي قال انه عرضها عليه اكثر من مرة.

اما الشهادة الثالثة، التي نشرتها مجلة "التايم" الامريكية هذا الاسبوع، فقد كانت لاحد اكبر جنرالات البنتاغون غريغوري نيوبولد، المسؤول عن العمليات العسكرية الكبرى في الجيش الامريكي، والذي احيل الى التقاعد في أواخر عام 2002( أي قبل اربعة اشهر من غزو العراق)، وربما بسبب اعتراضه على هذه الحرب.

يقول نيوبولد "انه نادم عن عدم مواجهته "بالقدر الكافي التوجهات نحو الحرب على العراق، داعيا" الى اقالة رامسفيد واخرين من الذين لا يريدون تغيير نظرتهم الى هذا الامر" ومشيرا" في الوقت ذاته "الى ان الكثير من الجنرالات تحت الخدمة الفعلية يطالبون المتقاعدين من زملائهم ان يفصحوا عما يفكرون به ولا يستطيعون التعبير عنه، ومستغربا" كيف يضحي هؤلاء العسكريون بارواحهم في الحروب ويخشون التضحية بمناصبهم".

وقال نيوبولد "ان ابناء جيله من العسكريين اعتقدوا انهم تعلّموا من حرب فيتنام الا يسكتوا بعد الان عن الحرب وهم يرون أولئك الجهلة يقودنهم الى حرب اخرى ومن ثم يسيئون ادارتها "، متهما الذين كانوا وراء الحرب على العراق انهم قد جعلوا من الحرب على ما يسميه الارهاب في المرتبة الثانية من الاهتمام مما سمح لتنظيم "القاعدة " حسب قوله ان يوسع نطاق عمله وعملياته.

فلو لم يكن تصدي المقاومة العراقية للمحتلين وادواتهم فعاّلا، ولو كانت العمليات العسكرية موجهة فقط نحو المدنيين، كما يحلو للاعلام الامريكي ومصدقوه القول كل يوم، فهل كان ممكنا" ان يكون المشهد العسكري والسياسي والاقتصادي الامريكي بهذه الدرجة من التأزم والتردي، وان نسمع مثل هذه الشهادات من كبار العسكريين الامريكيين في ظاهرة غير مسبوقة اضطرت احدهم الى القول: " اذا كان بعض المجندين او المتعاقدين يقسم يمين الولاء امام رؤسائهم، فان الضابط يؤدي القسم امام الدستور".

ايها الاخوات والاخوة

اذا كان هذا هو حال المشهد الامريكي بسبب تداعيات الحرب على العراق، وابرزها دون شك فعالية المقاومة العراقية، فما هو حال المشهد العراقي ذاته، حيث المحاولات مستمرة ومحمومة لتغطية فشل امريكا وعملائها سواء بالعملية السياسية التي تزداد ارتباكا"، او بالفتنة الداخلية التي يشتد سعيرها كلما اقتربت ساعة الحقيقة بالنسبة للمحتل واعوانه.

اما العملية السياسية التي ما زالت عاجزة عن تشكيل حكومة عراقية حتى الان، رغم مرور اكثر من ثلاثة اشهر على اجراء ما سمي بالانتخابات النيابية، ورغم الحضور المباشر والمشترك لوزيري خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الى بغداد منذ اكثر من اسبوع من اجل حلها، فانها ما عدا بعض الاستثناءات، هي في جوهرها عملية اعادة انتاج للوجوه والمجموعات السياسية ذاتها التي جاءت مع الاحتلال، بعد ان تحالفت مع دوله قبل الغزو.

وافضل ما يمكن ان نصف به اركان العملية السياسية وركائزها ممن جاء مع المحتل هو ما قاله السيد بول بريمر، اول حاكم امريكي للعراق بعد الاحتلال، في اعضاء مجلس الحكم الانتقالي الذين يتناسلون في كل المؤسسات التشريعية والحكومية التي قامت في ظل الاحتلال:" انهم حفنة من المنفيين الكسالى الذين لا يمثلون الا انفسهم، وهم لا يتمكنوا حتى من تنظيم مسيرة".

ولعل ما يفسر وتيرة الاستهلاك الامريكي المرتفعة لهذه الرموز، حيث تقدم بعض الاسماء الى الاضواء لتعود فتختفي، وهذا ما جعل مؤسسة عالمية مستقلة اسمها (المجموعة الدولية للازمات) (International Crisis Croup) ، ولها مجلس امناء من 35 شخصية واستراتيجية وديبلوماسية في العالم تقول : ان على واشنطن ان تدرك مدى تغير الارض تحت اقدامها منذ بداية الاحتلال وان تطور استراتيجية كاملة وجدولا" زمنيا" يتكيف مع هذا الواقع اذا كانت تريد فرصة لانقاذ الوضع" وقال التقرير ذاته " الولايات المتحدة منخرطة في العراق في حرب يمكن ان تكون خسرتها بالفعل".

وفي وصف للعملية السياسية قال التقرير "انه رغم الجهود التصحيحية النشطة والمتواصلة، فان عملية التحول ما عاد يمكن ان تنجح في الاسلوب المتبع الان، أي كنقطة ذروة للعملية التي تمضي منذ سقوط نظام البعث، لقد اصبحت هذه العملية فاقدة الصدقية الى حد مفرط، ملوثة الى حد مفرط، ومرتبطة الى حد مفرط ايضا بشريك امريكي فقد العراقيون ايمانهم بامكان انقاذه بمجرد تصحيحات طفيفة".

اما الجانب الامني فقد تناوله انتوني كوردسمان الخبير الاستراتيجي، حين استدعي بداية هذا العام للادلاء بشهادة امام الكونغرس فقال: "علينا ان نتوقف عن الكذب على العراقيين والشعب الامريكي والعالم عن جهودنا لانشاء قوات عراقية، وان لدينا 127 الف شخص في هذه القوات من النوع الذي نحتاجه لمحاربة تهديد عدائي، وذو خبرة، لدينا فقط حوالي (7-11) الفا من الذين بدأ يكون لديهم التدريب وبعض المعدات الضرورية".

ولقد دفعت هذه الحقائق بالخبير البريطاني المحاضر في كلية كوين ماري توبي دودج والذي نشر مؤخرا كتابا" عن العراق للقول في جريدة الاندبندنت البريطانية: يبدو من المؤكد تقريبا ان العنف المتزايد سيجبر الولايات المتحدة على ان تترك العراق قبل الآوان، وان تسحب قواتها خارجا"، وبدلا" من ان يصبح العراق نموذجا" للديمقراطية فان الخطر هو ان يصبح مركزا" لعدم الاستقرار المستمر وموقعا" لتفريخ العنف والتطرف، وسيكون هذا اهانة كبيرة ولكنه ايضا جرعة دواء لا تستطيع الولايات المتحدة الا ان تبتلعها".

ولا يختلف المشهد الدرامي في العراق عن بقية المشاهد، بل ربما هو اكثرها درامية، ويكفي ان ندرك ان بغداد نفسها لا تصلها الكهرباء الا ساعتين في اليوم، أي ساعة كل احدى عشر ساعة، لكي ندرك كيف وصلت الامور في ظل الاحتلال، ورغم ان مليارات من الدولارات قد انفقت " فلم يتمكن العراق من الحصول الا على 3500 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، فيما انه وبعد 12 عاما" من الحصار وقبل الاحتلال كان يحصل على 4000 ميغاوات"، والكلام هنا لمعهد بروكيغنز.

وبالطبع ايضا" هذه حال الماء، وقد باتت اكثر مياه الشرب إما مقطوعة او ملوثة، وكذلك الصحة والتعليم ناهيك عن البنزين والمازوت وسائر المشتقات النفطية حتى صح في العراق قول الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول

اما المشهد الاقتصادي، فاذا كانت "البورصة"، كما قال بالامس الصحافي ادوارد ونغ (Wong) في صحيفة بغداد جورنال، "تعكس بصورة او اخرى ثقة المجتمع باقتصاده، فان الارقام التي تظهر على شاشة البورصة العراقية، التي اسسها بشكلها الحالي بول بريمر قبل عامين، تكشف ان الثقة في هذا البلد وصلت الى ادنى مستوياتها، فلقد خسر مؤشر الاسهم وحده حوالي الثلثين من قيمته في السنة الماضية.

اما معّدل البطالة حسب ونغ فقد بلغ 60%، فيما توقفت تقريبا معظم صادرات النفط الى تركيا بسبب عمليات نسف الانابيب النفطية.

اما المشهد الامني مريع الى ابعد الحدود، وجيش الاحتلال المسؤول قانونيا عن امن البلاد – حسب الاتفاقيات ذات الصلة – بات هو مصدر الخلل الامني حسب رأي اكثر من 73% من العراقيين الذين، وبموجب استطلاعات اجرتها مؤسسات ابحاث امريكية، يرون ايضا ان "العراق يصبح اكثر أمنا" وأمانا" اذا خرج منه الاحتلال".

واذا كان البعض يعمد الى تصوير التدهور الامني في العراق مقدمة لحرب اهلية فيسارع في دعوة قوات الاحتلال الى البقاء ، فان هذا المنطق، بحد ذاته، يؤثر الى طبيعة الجهات التي تقف وراء مثل هذا التدهور الامني، وقد وصل في بعض الحالات الى مستوى مريع ومرعب، كما جرى في بعض المساجد والحسينيات والكنائس، وفي المقامات المقدسة والتجمعات المدنية، وفي القتل المرعب على الهوية، وفي رمي الجثث هنا وهناك، وفي عمليات تهجير طائفي ومذهبي مريعة.

ان قصة الجنديين في القوات الخاصة البريطانيين واعتقالهما وهما في طريقهما الى تفجير احدى الحسينيات في مدينة البصرة، وقصص عديدة يرويها العراقيون عن عملاء مكشوفين ينفذون عمليات وحشية قذرة، واشارات عديدة الى دور الموساد وبعض الشركات الامنية في هذا الامر، تظهر بوضوح ان من يقف واء لتدهور الامني جهات معادية للعراق وللمقاومة فيه، وان الاحتلال مسؤول مباشرة او غير مباشرة عن هذه العمليات، وان مرتكبيها ، أيا" كانوا، ينفذون مخططات المحتل، عن قصد او غير قصد، عبر اغراقهم العراق في بحر من الدم يسمح للبعض داخل العراق وخارجه ان يرفعوا اصواتهم بالدعوة الى بقاء المحتل.

يبقى المشهدان الاقليمي والدولي حيث نستطيع القول انه رغم الضربات العديدة التي تلقتها الادارة الامريكية على المستوى الدولي، وآخرها في يوم واحد نتائج الانتخابات الايطالية، وانتخابات البيرو في امريكا اللاتينية، فان المشهد الاقليمي ما زال هو الساحة الاكثر تجاوبا مع الارادة الامريكية في مشروعها العراقي، وان القمم العربية والاسلامية لم تخرج، منذ احتلال العراق، بل وقبله، في قراراتها وتوجهاتها عن الاجندة الامريكية، بل انها كانت تستخدم كممر لقرارات على المستوى الدولي حيث لم تشغل الحكومة التي نصبها الاحتلال مقعد العراق في الامم المتحدة الا بعد ان شغلته في الجامعة العربية في قرار مخالف لميثاق الجامعة ولاتفاقية الدفاع العربي المشترك ولكل روابط الاخوة العربية، وفي تنكر فاضح، لكل ما قدمه العراق على مدى العقود لمختلف الدول العربية، كما لكل معاناة العراقيين اليوم تحت الاحتلال.

ويكفي ان نعيد التذكير بما ورد في الصفحات 213 و215 من الكتاب الشهير " لبوب وودورد" "خطة الهجوم" لندرك حجم تواطؤ بعض المسؤولين العرب في التحريض على الحرب على العراق.

ولو أقتصر الامر على الحكومات لهان الامر، بل ان العديد من النخب والقيادات الحزبية والنقابية العربية قد ادارت ظهرها لما يجري في العراق، متذرعة باجندات خاصة، او بذرائع متعددة، متنكرة في ذلك لا للشعب العراقي ومقاومته الباسلة بل ايضا لشعوبها ذاتها، وهي المشدودة بجوارحها وعقولها واهتمامها الى ما يجري في العراق، وفي فلسطين، ومتطلعة الى السبل التي تدعم من خلالها المقاومة العراقية الباسلة لتجد انفسها امام حكومات موزعة بين الخوف والعجز والتواطؤ، وامام قوى سياسية موزعة بين العجز والانشغال والمراعاة الضمنية لواقع الحال.

وعلى الرغم من ان صوت بعض الاقلام وبعض وسائل الاعلام وبعض المؤتمرات والهيئات ما زال يصدح في دعم المقاومة العراقية، الا ان المشهد العربي والاسلامي ما زال هو المشهد الاكثر قتامة بين كل المشاهد المتصلة بالمشهد العراقي.

وفي المشهد الاقليمي لا بد من وقفة امام الموقف الايراني مما يجري في العراق، والذي قد يحتاج الى نقاش مطول، لكن نقول انه رغم اهمية تنبيه ايران لضرورة الاهتمام بكل الملاحظات النقدية التي توردها قوى عراقية مناهضة للاحتلال بسبب ممارسات وتصرفات معروفة، خصوصا التي تصدر عن جهات محسوبة على ايران، الا ان علينا ان ندرك ان التحليل المنزه يرى في المقاومة العراقية ضد الاحتلال الامريكي سندا" موضوعيا" للمانعة الايرانية في وجه الضغوط الامريكية والاوروبية في مسألة الملف النووي السلمي الايراني، تماما كما ان هذه الممانعة تشكل دعما" موضوعيا" لهذه المقاومة في العراق وفي كل المنطقة، مما يتطلب حوارا بين ايران وبين كل الاطراف العراقية المقاومة والمناهضة للاحتلال دون استئناء، وهو حوار يمكن لسوريا ولحزب الله في لبنان ولكل القوى الوطنية والقومية والاسلامية ان تسهم في انضاجه وتوفيرالظروف المؤاتية لاغلاق اية ثغرة يمكن لاعداء العراق وايران والامة النفاذ منها.

لقد آن الآوان لكي يدرك الجميع ان المقاومة العراقية الفعلية للاحتلال، لا تلك التي تجري تضخيمها من قبل الاعلام الامريكي لاغراض معروفة كما ورد في وثائق عسكرية واستخباراتية نشرتها قبل ايام صحيفة "الواشنطن بوست" والتي اكدت معلومات نشرت سابقا" ان نسبة المقاتلين غير العراقيين، وهم مجاهدون اشداء على كل حال ، لا تمثل سوى جزءا" صغيرا" جدا" من المقاومة، هي قوة فعلية لكل العرب والمسلمين بما فيهم ايران، تماما" مثلما ان القدرات العلمية والتكنولوجيا النووية التي تمتلكها ايران او أي بلد عربي او مسلم، هي قوة لكل العرب والمسلمين، بما فيهم المقاومة العراقية، بوجه الهيمنة الامريكية والمشروع الصهيوني، وان الطريق للاستفادة من هذه القوى جميعا" يكمن في بناء منظومة تضامن عربية واسلامية جامعة، وأمن عربي واسلامي مشترك ومشروع مقاوم واحد يمتد من كابول الى غزة، كبديل لسياسة الاذعان للاملاءات الامريكية، واستقبال القواعد والاساطيل الامريكية.

ولحسن حظنا وحظ الشعب العربي، ان في المشهد الدولي من ما زال مدركا للترابط بين المقاومة العراقية وبين حركة مواجهة الهيمنة الامريكية على امتداد العالم، فتخرج في اكثر من 200 عاصمة ومدينة في العالم مسيرات تندد بالحرب والاحتلال في العراق، وتودي صناديق الاقتراع ببعض رموز هذه الحرب اللاشرعية واللاقانونية فيخسر برلسكوني في ايطاليا رابع اربعة في التخطيط العدوان على العراق، وقبله خبر ازنار في اسبانيا، فيما تصل شعبية شريكيهما بوش وبلير في الانخفاض الى نسب غير مسبوقة.

وتأثير الحرب على العراق واضح في كل هذه التطورات سواء في اوروبا او في امريكا اللاتينية، اذ ان اول ما وعد به السيد برودي الفائز في الانتخابات الايطالية هو سحب قوات بلاده من العراق فور تسلمه السلطة، فيما تتسع رقعة المساحة الجغرافية والسكانية الخارجة عن سيطرة واشنطن في امريكا اللاتينية ليتتعزز موقع فيدل كاسترو، ومعه شافيز الذي كان الرئيس الوحيد في العالم الذي تحدى الحصار الامريكي على العراق فزاره قبل الحرب مؤكدا" ان المعركة الدائرة في بلاده لاسقاطه آنذاك كانت جزءا" من الحرب التي يخططون لشنها على العراق.

واذا اضفنا الى هذه الاشارات المتعددة، ما يمكن وصفه بالتململ الروسي والصيني من سياسة القطبية الاحادية الامريكية المتبعة منذ عقد ونيف، بالاضافة الى سحب العديد من دول ما يسمى "بالتحالف" لقواتها في العراق، وحتى في بريطانيا فان المسؤولين لا يخفون رغبتهم في التعجيل بسحب القوات من العراق بعد ان اعادوا فعلا قسما منها الى بلادهم لوجدنا انقلابا متصاعدا في المشهد الدولي لغير صالح البيت الابيض ومشروعه الامبراطوري.

ولعل في تصريحات وزير خارجية بريطانيا الاخيرة حول ان "الحرب على ايران ستكون عملا احمق" تظهر بوضوح حجم الندم الذي يطبع النظرة البريطانية الى التورط في تلك الحرب على العراق.

ايها الاخوات والاخوة

ان استعراض هذه المشاهد جميعا، ما عدا المشهد العربي والاقليمي، يوحي بعمق المأزق الذي يعيشه الاحتلال الامريكي، وباقتراب هزيمته، حيث يحاول ان يقلّل من حتمية وقوعها ما يحاك للعراق من فتن وحروب اهلية...

ولكن هل يعني اقتراب الاحتلال من الهزيمة، هو اقتراب العراق بشعبه ومقاومته من الانتصار؟

هذا السؤال ينبغي ان يكون الان محل دراسة معمّقة وناضجة وعلمية من كل الحريصين على مستقبل العراق العربي الديمقراطي الموحد كما على مستقبل مشروع المقاومة الذي هو مشروع تحرير وديمقراطية في آن معا.

وللاجابة على هذا السؤال، فانني اعيد التذكير بثلاثة "ميمات" سبق لي ان طرحتها في الدورة الرابعة عشرة للمؤتمر القومي العربي في صنعاء في أوائل حزيران عام 2003 وهي "مقاومة"، "مصالحة"، "مراجعة".

فالانتصار على المحتل لا يمكن ان يتم دون مقاومة، ودون مقاومة مسلحة بشكل خاص، تجعل من اعباء التكاليف البشرية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والاخلاقية على الدول المحتلة اكبر بكثير من المكاسب والارباح التي تجنيها.

والمقاومة في العراق لن تتمكن من الانتصار السريع على اعدائها الا اذا اقترنت بمصالحة وطنية شاملة بين كل الوان الطيف السياسي والاجتماعي العراقي الرافض للاحتلال بعد ادراكه قانون كل حركات التحرر والمقاومة في العالم وهو اخضاع كل التناقضات الجزئية والثانوية، على اهميتها، للتناقض الرئيسي مع المحتل.

واذا كان البعض يرى في تحقيق مصالحة عراقية جامعة امرا" صعبا"، وربما مستحيلا"، فان من حقنا ان نسأل ألم تنجح " جنوب افريقيا" مثلا"،وبقيادة منديللا، في انجاز مصالحة بين اطراف ارتكب بعضها مظالم ومجازر عنصرية وصلت الى حروب ابادة بحق بعضها الآخر... الم يتجاوز اللبنانيون في مصالحات تاريخية حروبا" ومجازر جماعية واغتيالات من اجل ان يعم السلام والوحدة بلدهم... ألم تشهد بلدان عديدة في العالم حروبا اهلية بين ابنائها، ويينها وبين دول اخرى، ثم نجحت في التغلب عليها حين غلّبت منطق الحكمة والتعقل والمصلحة العليا على اسلوب التوتر والتشنج ونكء الجراحات والاستسلام لعصبيات ضيقة.

طبعا لا يمكن لهذه المصالحة ان تنجح دون ان ترافقها مراجعة نقدية يقوم بها الجميع، احزابا" وجماعات واشخاصا"، لتجاربهم منذ ان دخل العراق دوامة العنف الاهلي في اواسط الخمسينات حتى هذه الساعة.

واذ كان البعض يرى في هذه المراجعات، مع ما يمكن ان يتخللها من اعتذارات لهذه الجهة او تلك، ضعفا" او مهانة، فانه يقع في خطأ كبير، لأن كل القادة الكبار في العالم، وكل الحركات التاريخية، كانت تنتزع المزيد من الاحترام والثقة حين كانت تقوم بهذا النقد الذاتي، وهنا علينا ان نتذكر مثلا" قريبا" في تاريخنا هل ضعف جمال عبد الناصر أوهان حين تحمّل مسؤولية الهزيمة وقدم استقالته ام انه ازداد قوة مكّنته من اعداد الجيش المصري لحرب الاستنزاف ثم للعبور المجيد في حرب اوكتوبر.

واذا كانت كل القوى الوطنية والاسلامية في العراق مدعوة للقيام بمثل هذه المراجعة النقدية لتجاربها، كل حسب دوره ووزنه وفعاليته، فان البعثيين بالذات، مدعوون الى قيادة هذه المراجعة، بكل ثقة بالنفس والشعب، فهم الذين تسلموا السلطة على مدى 35 عاما، وهم يشكلون تيارا" كبيرا" في المجتمع العراقي بلغ عدد الذين شملتهم قرارات هيئة الاجتثاث الشهيرة وحدها اكثر من 100 الف بعثي، وهم الذين يتداولون في جلساتهم الخاصة ملاحظات نقدية لتجاربهم السابقة.. فلماذا لا يفعلون ذلك علنا" دون مكابرة او ارتباك فيطلقون داخل المجتمع العراقي ثقة واطمئنانا بأن اخطاء المراحل السابقة وخطاياها لن تتكرر، وان احتكار السلطة لن يعود مجددا، وان العراق لكل ابنائه وليس لحزب او فئة او جماعة، وان من يحرر الارض هو الذي سيسهم في صياغة مستقبل العراق.

في ضوء هذه الاليات الثلاث يمكن للعراقيين ان يتقدموا لتحصين وحدتهم الوطنية، وللاقلاع نهائيا" عن الاستقواء بالاحتلال بوجه بعضهم البعض، خصوصا" ان الاحتلال الذي نجح في جذب بعض القوى والجماعات السياسية المتضررة من النظام القائم قبل الحرب لكي تكون غطاء لمشروعه التقسيمي التدميري ضد العراق، يحاول اليوم، وبالمقابل، ان يستميل فئات وجماعات عراقية جديدة لجهته لكي يواجه عراقيين آخرين خصوصا بعد ان غرق بعضهم في ممارسات دموية كان يأخذها على النظام السابق.

وفي هذا الاطار فان مستقبل المقاومة العراقية ومقومات انتصارها يتقررن في ضوء المبادئ التالية:

اولا: ان مواجهة خطة "فرق تسد" التي هي الاستراتيجية المعتمدة في كل مكان وزمان من قوى الاحتلال والهيمنة، تتطلب أمرين جديين:

حوار عراقي – عراقي لا سيما بين القوى المناهضة للاحتلال، وخصوصا بين التيار الصدري والبعثيين باعتبارهما من ابرز القوى الموجودة في الساحة العراقية، ومن القوى الرافضة للاحتلال الامريكي منذ اليوم الاول.

ومع تقديرنا للصعوبات الكبيرة التي تحول دون قيام مثل هذا الحوار، الا انني اعتقد ان جهات موثوقة من الطرفين كهيئة علماء المسلمين والمؤتمر التأسيسي الوطني وبعض الشخصيات الوطنية العراقية والعربية يمكن ان تسهم في انضاج ظروف الحوار وتجاوز اية صعوبات تعترضه.

والامر الثاني: تشكيل جبهة من كل القوى الوطنية والقومية والاسلامية المناهضة للاحتلال، والمدركة بالتجربة الملموسة عقم المراهنة على عملية سياسية يوجهها الاحتلال ويتلاعب بوجهتها ويعرقل اية خطوة قد تصل اليها هذه العملية ولا تتطابق مع مصالحه ومخططاته.

ثانيا: قيام تنسيق فعلي بين كل تشكيلات المقاومة على اختلاف ميولها الفكرية والعقائدية، يعزز من فعالية المقاومة. يوحّد برامجها، ويسعى لتنقية عملياتها من كل المحاولات التي يقودها المحتل وادواته لتشويه صورتها لا سيما العمليات التي تستهدف المدنيين وتجمعاتهم تحت أية ذريعة او مبرر، فهذه العمليات تخدم المحتل وتعيق انتصار المقاومة.

فاذا كانت ظروف السنوات السابقة قد دفعت بهذه التشكيلات الى اعتماد آليات معقدة وخاصة في عملها، وابرزها اللامركزية التنظيمية فان الوقت قد حان الى الانتقال الى شكل اعلى في التنسيق بينها مع الحفاظ الدائم على مستوى عال من السرية في الاداء.

ثالثا: اهتمام جدّي بالعلاقات مع المحيط الاقليمي والدولي على قاعدة تعزيز العلاقة مع الجهات الصديقة، والعمل على كسب الجهات المحايدة، وصولا" حتى الى تحييد الجهات الاقليمية المعادية.

ان لهذا الاهتمام آليات عمل، وطرق اتصال، وخطاب سياسي، وتحصين ساحة المقاومة من لغة المهاترات والاداء المتوتر.

رابعا: تركيز الجهود والبنادق باتجاه الاحتلال الامريكي وافشال اية محاولات لتوجيهها باتجاهات اخرى، وللمقاومة العراقية في هذا المجال دروس عربية ينبغي الاستفادة منها.

فحزب الله في لبنان مثلا واجه بحكمة وبعد نظر جملة محاولات لاستدراجه الى معارك جانبية، بدءا من معارك مع الجيش السوري عام 1987 بعد ان فقد اكثر من عشرين مقاتلا في احد ثكناته في بيروت الى معارك مع الجيش اللبناني اثر اطلاق النار على تظاهرة لانصاره ذهب ضحيتها 13 شهيدا في 13 ايلول/سبتمبر 1993، وقد ادت الحكمة في تفويت الفرص على المصطادين في الماء العكر الى ان بات الجيشان السوري واللبناني درعين قويين للمقاومة.

وفي فلسطين نجحت القوى الفلسطينية، الوطنية والاسلامية، في افشال مخطط امريكي – صيهوني في جعل اتفاق اوسلو ممرا" اجباريا" الى فتنة اهلية وداخلية، وقد تجاوزت هذه القوى عدة افخاخ نصبها المحتل لاشعال النار بين الاخوة، حتى نجح الفلسطينيون في اقامة علاقة ديمقراطية شفافة كان من ابرز نتائجها الانتخابات الاخيرة التي كشفت، من جملة ما كشفت ، اكذوبة الادعاءات الامريكية والاوروبية والاسرائيلية باحترام الخيار الديمقراطي للشعوب.

خامسا: تحّمل القوى الشعبية العربية والاسلامية مسؤولياتها كاملة ازاء مقاومة الشعب العراقي سواء من خلال الضغط على الحكومات لاستقبال مكاتب وممثلين علنيين لهذه المقاومة وتوفير الحصانات اللازمة كما كان الحال مع ثورات تحرير مماثلة، او من خلال تقديم الدعم الانساني والمادي للشعب العراقي لمساعدته على الصمود بوجه الاحتلال.

سادسا: تحمل القوى الشعبية العربية والاسلامية مسؤولياتها بفتح افاق دولية لهذه المقاومة ومساعدتها بكل ما يلزمها لتطوير فعاليتها واساليب عملها خصوصا اذا ادركنا النتائج السلبية الكبيرة الناجمة عن الحصار المفروض على الشعب العراقي ومقاومته.

سابعا: التنبه الدائم والمستمر لدور الكيان الصهيوني في مؤامرة الاحتلال على العراق، تخطيطا" وتحريضا" وتنفيذا" على مختلف المستويات، انطلاقا" من المشروع الصهيوني الاصلي الذي يعتبر ان تفتيت العراق هو المدخل الى تفتيت المنطقة كلها.

فاذا كانت قضية فلسطين هي القضية المركزية للامة العربية فان قضية العراق اليوم هي البوابة المركزية والمدخل الرئيسي الى تلك القضية، فهزيمة المشروع الامريكي في العراق ستؤدي حتما" الى زعزعة الكيان الصهيوني في فلسطين خصوصا" مع تصاعد الاتهامات داخل الولايات المتحدة الى حكومة تل ابيب واللوبي الصهيوني في امريكا بانهما كانا يدفعان بقوة الى توريط الدولة الكبرى في المستنقع العراقي.

ثامنا: التنبه الى مخاطر لعبة التفاوض التي يحاول من خلالها السفير الامريكي زلماي خليل زاده ان يوقع بين تشكيلات المقاومة من جهة، كما بين الفئات العراقية المتعددة.

فدروس تجارب حركات التحرير واضحة، خصوصا التجربة الجزائرية، حيث يروي الاستاذ عبد الحميد مهري كيف أفشلت جبهة التحرير الوطني الجزائرية خطة فرنسية للالتفاف على الثورة حين طرحت باريس عليها برنامجا من ثلاث نقاط: انتخابات، مفاوضات، فإعلان الاستقلال، فاجابت قيادة الجبهة بقلب الاولويات حيث تعلن فرنسا اولا" استقلال الجزائر، ثم تدخل في مفاوضات لتنفيذ هذا الاستقلال، ثم تجري انتخابات جزائرية.

وحين واصلت الجبهة معركتها ضد الاستعمار الفرنسي، اضطرت الحكومة الفرنسية الى القبول بالشروط الجزائرية.

واذا كنا لا ننكر ان مفاوضات ستحصل حتما بين المقاومة والمحتل في مرحلة قادمة ، فاننا نعتقد ان الحكمة تقتضي بان لا تبدأ اية مفاوضات قبل اعلان الحكومة الامريكية قرارها بالانسحاب من العراق.

وحينها فقط يمكن ان تبدأ مفاوضات في ضوء مبادرات وطنية واضحة كالتي اطلقها في مطلع العام الدكتور خير الدين حسيب الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي بعد تشاور مع عدد من فصائل المقاومة والقوى الوطنية المناهضة للاحتلال.

ايها الاخوات والاخوة

في تقرير بعنوان "المعركة حول مستقبل بغداد" نشرت الخدمة الاجنبية في الواشنطن بوست تقريرا لجون وارد اندرسون، وجوناثان فاينر ذكرا ان المسؤولين الامريكيين قد تنبأوا بان عام 2006 سيشهد معركة بغداد، وان جهود" المتمردين" كما الجهود الرامية لمواجهتهم سيزداد تركيزها على هذه المدينة التي يسكنها حوالي سبعة ملايين شخص.

وفي تقرير اخر نشرته النيويورك تايمز اوحى فريق عمل مشترك بين سفارة الولايات المتحدة في العراق والقيادة العسكرية في بغداد، بان الانطباع الذي تروج له الادارة الامريكية بان معظم المحافظات العراقية تعيش حالة من الهدوء والامن ليس انطباعا صحيحا ورسم خارطة اعطى فيها الوانا" لكل محافظة حسب مستوى الهدوء فيها، فكان اللون الاحمر (أي الوضع الخطير) من نصيب "الانبار" فيما كان اللون البرتقالي (أي الوضع الدقيق) من نصيب ست محافظات بينها بغداد وبعقوبة والبصرة بالاضافة الى ثلاث محافظات اخرى تقوم الى الشمال منها، فيما شمل اللون الاصفر (أي الوضع المعتدل ولكن المرشح للاضطراب) ثماني محافظات تقع في الوسط والجنوب ولم يعتبر الوضع آمنا" الا في المحافظات الكردية الشمالية.

ان مهمة المقاومة هي في ان تجعل لون الخريطة باسرها لونا احمرا" عبر اتحاد العراقيين لطرد الاحتلال واقامة نظامهم الديمقراطي التعددي الذي يصون وحدة العراق وعروبته وحتى يعود العراق كله امنا مزدهرا" وسندا" لامته العربية الاسلامية.

وكما كانت ثقتنا بانطلاقة المقاومة كبيرة يوم احتلال العراق، فهي اليوم اكبر بانتصارها وتجاوز كل ما يحاك لها وللعراق من فتن ومكائد.

Monday, April 10, 2006

. الاحتلال في عامه الثالث .: زلـزال المقـاومة .وارتداداتـه داخـل جبهة الأعـداء

الاحتلال في عامه الثالث ...

زلـزال المقـاومة وارتداداتـه داخـل جبهة الأعـداء

محمـد العبـد اللـه (المصدر: نشرة كنعان الالكترونية)

أكثر من ألف ومائة يوم، وشعب العراق مازال يواجه نتائج الغزو الإمبريالي / الصهيوني، الذي قادته إدارة إمبراطورية الشر الأمريكية وأدى لاحتلال الوطن وتدمير مقومات الدولة ونهب الثروات المادية والثقافية والتاريخية، في محاولة يائسة للإنقضاض على تاريخ وحضارة هذا البلد العريق. في التاسع من نيسان 2003 يوم احتلال بغداد، عاصمة الرشيد الخالدة، تحول هذا التاريخ كرمز، لليوم الأكثر سوداوية، فقد دخل الوجدان الإنساني بكونه اليوم الأكثر حزناً وألماً في تاريخ المنطقة. في هذه الذكرى السوداء، تستحضر ذاكرتنا المشاهد المؤلمة لاقتحام القوات المدرعة الغازية بوابات بغداد، لكن لحظات الذهول المؤقتة، تبددت بعد أن باشرت وحدات المقاومة الوطنية المسلحة، المنظمة والمهيأة لهذه المعارك، عملياتها النوعية، والتي شكلت امتداداً وتطويراً وتصعيداً للمواجهات البطولية التي امتدت من "أم قصر" ولم تنته في معارك "المطار" و"نفق الشرطة"، بل استمرت للآن بوتيرة متصاعدة في عشرات المدن والبلدات، عبر برنامج يومي سياسي وقتالي، يهدف إلحاق أفدح الخسائر بقوات الغزو وبالتشكيلات العسكرية وشبه العسكرية الموالية والعميلة لقيادة الاحتلال.

لقد فجر زلزال المقاومة كيانات وهياكل ومشاريع الغزاة وتوابعهم المحليين، وانعكست آثار الزلزال وتداعياته داخل العراق ومحيطه الاقليمي، وعلى المركز الامبريالي بشكل خاص. فبعد ثلاث سنوات على الاحتلال، تتوضح بشكل مباشر آثار الأزمة / المأزق الذي تعاني منه الإدارة الأمريكية_ البريطانية ،والتوابع المحليين. كما شهد العام الثالث للاحتلال تطوراً ملحوظاً في قدرات المقاومة على تطوير أدوات عملها وأساليب مواجهتها. فقد توسعت وتنامت بشكل نوعي

شبكات الدعم الجماهيرية المنظمة داخل العديد من المدن والبلدات والتجمعات السكانية في البوادي، والتي وفرت للمقاومة المحيط الذي يشكل مصدر اسنادها وامدادها الدائمين. أمام هذا التطور، جاءت اعترافات الناطق باسم قوات الغزو، الجنرال "دونالد اولستون" لتشير إلى التقدم الكمي في عمليات المقاومة. فقد اعترف بلغة الأرقام "الرسمية" بأن المقاومة قد شنت 34131

هجوماً في عام 2005 مقابل 26496 في عام 2004. كما تحدثت صحيفة "ديفنس نيوز" المتخصصة بالشؤون العسكرية في تقرير نشرته مؤخراً بأن "منظمات المقاومة العراقية قد استطاعت تنفيذ عمليات تجسس واستطلاع داخل المنطقة الخضراء". في مواجهة هذه الانتصارات التي تحققها المقاومة، لجأت قوات الاحتلال إلى الاستخدام المكثف للطيران في عملياتها العسكرية، فالبيانات الأمريكية تعلن عن إشراك الطائرات المقاتلة والسمتية في المعارك التي تخوضها قواتها مع مايفترض أنه مواقع للمقاتلين، لكن الحقائق على الأرض تشير إلى استهداف وحشي للمناطق السكنية كترجمة لسياسة "الأرض المحروقة". لقد أشارت بيانات القيادة الأمريكية إلى ازدياد كبير في استخدام الطائرات الحربية، خاصة في الأشهر الأخيرة. فقد ارتفعت الزيادة عما نسبته الخمسين بالمائة مقارنة بذات الفترة من العام المنصرم. فقد تعرضت عشرون بلدة ومدينة لغارات الطائرات المهاجمة، بينما لم تشهد سوى تسع مدن فقط الغارات الجوية خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وهو ما أكده العقيد "أودري باهلر" في تصريح له من مقره في قاعدة السيلية في قطر (الطائرات العسكرية لقوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني شنت 306 غارة جوية في عام 2005 بزيادة 43 % عما قامت به في العام الفائت والذي بلغت الغارات خلاله 214 غارة). وكالة "الأسوشيتدبرس" أشارت في تقرير لها نشر في ديسمبر 2005 مايؤكد تصريحات المتحدث العسكري (القوات الجوية الأمريكية قامت بآلاف طلعات القصف، كما نفذت مهام عديدة دعماً للقوات البرية خلال الأشهر الأخيرة) بالإضافة لهجمات طائرات "بريديتر" بدون طيار المزودة بصواريخ "هيل فاير" _ التي تستخدمها قوات العدو الصهيوني في عمليات اغتيال نشطاء الانتفاضة الفلسطينية، والتي يطلق عليها الشعب الفلسطيني إسم "الزنانة" _.

مع تصاعد المواجهات واتساعها، وأمام ازدياد عدد توابيت القتلى من القوات الغازية، أكثر من 2500 قتيل – حسب الأرقام الرسمية التي تشير فقط لحملة الجنسية _ وحوالي ستين ألف جريح ومعاق جسدياً ونفسياً، انعكست تأثيراتهم على المجتمع الأمريكي والبريطاني، بالإضافة إلى تدمير آلاف المعدات العسكرية _ عربات، مدرعات، طائرات _ مما راكم أعباء جديدة على المواطن، دافع الضرائب، الذي اكتشف أن دولته العظمى عاجزة عن تأمين احتياجاته الأساسية وهو يصارع من أجل البقاء في مواجهة غضب الطبيعة، كما حصل أثناء إعصار كاترينا. لقد استنزفت العمليات العدوانية التي تشنها الآلة الحربية الأمريكية على العراق وأفغانستان مليارات الدولارات شهرياً، فإذا كان الانفاق الشهري الحربي قد بلغ خلال عام 2005 "6,8" مليار دولار، فإن تقرير مركز أبحاث الكونغرس الأمريكي قد أشار مؤخراً إلى ارتفاع فاتورة الانفاق الشهري في العام الحالي لتبلغ "9,8" مليار دولار كنفقات للحرب والاحتلال.

أمام هذا الوضع الكارثي الذي تعيشه الدولة الأعظم في العالم، فقد تعاظمت حالة الرفض للحرب العدوانية على العراق، خاصة بعد انكشاف سلسلة الأكاذيب التي ساهم في تعريتها وفضحها، العديد من المسؤولين الأمريكين، والمتعلقة بأسلحة الدمار الشامل ودعم تنظيم "القاعدة".

فقد اتسعت دائرة الرفض من الهيئات الأهلية والحركات الشعبية كحركة النساء الناشطات بقيادة المناضلة الأمريكية "سيندي شيهان" التي وضعت شعاراً لحملتها "اخرجوا الآن"، بالإضافة لعشرات اللجان الشعبية في العديد من المدن الأمريكية، المترافقة مع ظهور ثمانية مواقع على الانترنت من داخل امريكا تعارض الحرب على العراق، وقد سجل "موقع الأغاني" نصوصاً وألحاناً لحوالي خمسين أغنية تصرخ معارضة للحرب، كما برز موقع "فضائح بوش" من خلال تعريته لسياسة الادارة الأمريكية من خلال كشف دور صناع القرار الرئاسي "تشيني، رامسفيلد، ولفووتز" في تصدير الموت لشعوب العالم. كل ذلك أدى لانخفاض شعبية الرئيس بوش إلى أدنى مستوياتها إذ بلغت 32 %. كما أشارت العديد من استطلاعات الرأي _ المحلية والعالمية _ إلى ازدياد كبير في مطالبة العديدين ممن خضعوا للاستطلاع، بضرورة سحب القوات الأمريكية خلال الأشهر القليلة القادمة. لقد ارتفعت في الأسابيع الأخيرة أصوات العديدين من اصحاب "الوزن السياسي / الاعلامي الكبير" داخل المجتمع ، المطالبة بخروج أمريكا من العراق، والأبرز في المواقف الجديدة ، كانت الانتقادات العنيفة التي أدلى بها أبرز مفكري اليمين ممن أقنعوا جورج بوش بغزو العراق. في عدد صحيفة "الاندبندت" البريطانية الصادر يوم 9 مارس _ قبل شهر_ يعبر "وليام فوكلي" أحد أبرز منظري الحزب الجمهوري عن استيائه مما يجري في العراق، بالقول (لا أحد يستطيع أن يشكك في فشل أهداف غزو العراق، وان العداء العراقي أثبت أنه لايمكن احتواؤه بجيش قوامه 130 ألف جندي أمريكي، علينا تغيير الخطط، أهم مافي الأمر الاعتراف بالهزيمة) مضيفاً (احتجنا إلى أربع سنوات لغزو طوكيو وبرلين، لكن بعد ثلاث سنوات مازال من المستحيل الانتقال من وسط بغداد إلى مطارها بدون حراس مسلحين). أما صاحب نظرية صراع الحضارات "فرانسيس فوكوياما" أحد الذين وقعوا مع أربعين شخصية بارزة في البيان الذي تضمن طلبهم إلى الرئيس جورج بوش الانتقال إلى مرحلة تنفيذ خطة تغيير النظام العراقي، الذي تحول حسب رأي الموقعين على الطلب إلى "هدف الدبلوماسية الأمريكية" فقد مارس مؤخراً عملية نقد لموقفه من الحرب قائلاً: "إنني أتحفظ على هذه الحرب".

أما "زبينيو بريجنسكي" مستشار الرئيس "كارتر" وأحد المتشددين في الإدارة الأمريكية السابقة،فقد ساهم بنقد الحرب وتداعياتها "إن كلفتها كبيرة جداً وأضرت بالزعامة الأمريكية، وانهارت مصداقية الولايات المتحدة في العالم" وعزا فشل الحرب الى "سلسلة من الاخطاء المتتالية المتكررة لزمرة صغيرة متعصبة ترفض تحمل أي مسؤولية عن أخطائها إن لم نقل عن جرائمها"

"جون كيري" مرشح الانتخابات الرئاسية السابقة عن الحزب الديمقراطي، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، صرح قبل عدة أيام بضرورة "تحديد الخامس عشر من شهر مايو القادم موعداً لبدء الانسحاب الأمريكي من العراق في حال عدم تشكيل حكومة عراقية، وحتى لو تم تشكيل الحكومة، فإن من الضروري استكمال سحب قوات الاحتلال الامريكي من العراق مع نهاية العام الحالي" وقد شارك "كيري" في أرائه تلك، العضو الديمقراطي البارز في مجلس الشيوخ والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة "روس فينغولد".

حملة الانتقادات تتصاعد وتيرتها أيضاً داخل دائرة معسكر "الجنرالات القدامى". الجنرال "بول ايتن" المسؤول السابق عن تأهيل قوات "الأمن" العراقية، حَمـَلَ وزير الدفاع "رامسفيلد" مسؤولية الفشل في العراق، واصفاً إياه في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 19 / 3 / 2006 (قيادي فظ، يثير غضب حلفائه، لايتمتع بأي كفاءة على الصعيد الاستراتيجي والتكتيكي). قائد القيادة الأمريكية الوسطى السابق، الجنرال "انتوني زيني" قال في حديث له قبل عدة أيام (لابد ان يدفع المسؤولون في الادارة والبنتاغون عن الأخطاء الاستراتيجية ثمن أخطائهم، داعياً الى ضرورة إقالة المسؤولين عنها وأولهم إقالة وزير الدفاع رامسفيلد). الاعتراف بالأخطاء انتقلت حملة الاعلان عنها لوزيرة الخارجية "كونداليزا" التي أعترفت أثناء زيارتها لبريطانيا في أواخر الشهر الماضي بأن بلادها "ارتكبت آلاف الأخطاء التكتيكية في الحرب على العراق". لكن السيدة "رايس" تصر على الهروب إلى الأمام، فالخطأ _ وهو الخطيئة بعينها _ لم يكن في التكتيك، بمقدار ماكان في الاستراتيجية. إن معارضي الحرب الذين تصدوا لها في مدينة "بلاكبرن" البريطانية وصرخوا بوجهها (عار عليك، ارجعي إلى بلادك، كفى أكاذيب) كانوا يتابعون ماقالته لها مجموعات من معارضي العدوان على العراق يوم السادس عشر من مارس، أثناء زيارتها لجامعة "سيدني" الاسترالية " أنت مجرمة حرب وقاتلة، دم العراق في يديك ولايمكنك غسل هذه الدماء" ويكررون على مسامعها ماصرخ به يوم 9 مارس الفائت أحد الناشطين في مجال معارضة الحرب بوجه " كوندي " أثناء اجتماع مجلس الشيوخ الأمريكي لمناقشة تقرير وزيرة الخارجية "ما نوع الحرية التي تتحدثين عنها؟؟ أنت قاتلة"

في المشهد العراقي المحلي، تبدو تداعيات التاسع من نيسان أكثر وضوحاً، العملية السياسية التي صاغ برنامجها ورسم آليات تنفيذها "بريمر و نغربونتي" تتعثر مساراتها بفعل السلوك الذاتي القائم على توسيع دائرة المحاصصة المذهبية والاثنية، من أجل أن يتم تحويل الطائفة أو المذهب أو الانتماء الأثني إلى "جمهورية موز" تتخفى خلف "الفيدرالية" أو "الكيان" عبر استطالات اقليمية محددة. لقد طغى على صيغ التحالف والائتلاف منطق الهيمنة المستمد من الانخراط الكامل والتفصيلي بمشاريع تقسيم العراق، ولهذا تَحَول "الائتلاف الموحد" إلى اختلاف دائم ليس على "الجعفري" بل وعلى الفيدرالية ومنطقة كركوك والعديد من القضايا. إن محاولات السفير الأمريكي "زلماي زادة" الحاكم الحقيقي للعراق، في محاولات استمالة بعض الكتل لمشروعه، الذي يسعى لتسويقه من خلال الإعلان المستمر عن رفضه لتسلم بعض الوزارات الأساسية لرموز مذهبية تقود ميليشيات مجرمة، لاتعدو كونها ذر للرماد في العيون، لأن الاحتلال هو المسؤول عن تجهيز وتدريب ورعاية هذه القوى والعناصر، وهو الذي يشرف عبر مستشاريه في كل وزارة على خطة العمل المحددة. إن عمليات القتل المبرمج التي تستهدف المواطنين في الكنائس والمساجد والحسينيات والأسواق الشعبية، تدل على إفلاس المشروع الاحتلالي وانسداد آفاقه، وتكشف عن طبيعة القتلة المأجورين الذين تدربوا في معسكرات الأعداء، خارج العراق وداخله. إن محاولات دفع العراقيين عبر جرائم الذبح والتقطيع والتفجير لمغادرة مناطق سكنهم، بهدف تحويلها إلى أحياء ومدن ذات لون طائفي ومذهبي واحد "نقية مذهبياً" لن يتحول إلى حالة شاملة، لأن النسيج الاجتماعي العراقي المتداخل "مذهبياً وعرقياً" أكثر مناعة مما يتصور الغزاة وعملاؤهم.

إن شعب العراق الذي يعاني في كل مناطقه المحتلة من البؤس والفاقة نتيجة البطالة وانعدام الدخل، ولحرمانه من الماء النظيف والكهرباء، ولفقدانه الأمن الاجتماعي _موت مجاني، إختطاف وقتل لجميع شرائح المجتمع "أكثر من ألفي امرأة تعرضت للإختطاف، البعض منهن تم بيعهن كسلع داخل العراق وخارجه، والبعض الآخر تعرض للاغتصاب"، اعتقال مئات الألاف على يد قوات الاحتلال وعصابات الميليشيات _. إن المأساة التي يتعرض لها العراق اليوم، كانت النتيجة الطبيعية للغزو الذي ابتدأ بسياسة "الصدمة والترويع" واستتبعها بنشر"الفوضى البناءة "! والتي بدأت انعكاساتها على المركز الامبريالي وتوابعه. إن انجازات وانتصارات المقاومة الوطنية العراقية، دفعت بمخططي الإدارة الأمريكية والبنتاغون لإعادة حساباتهم، والبحث الجاد عن سيناريوهات لإعادة تجميع قوات الغزو خارج المدن، تمهيداً لانسحابها. إن تصاعد الفعل الوطني المقاوم هو الكفيل بطرد المحتل، كخطوة أولى على طريق تحريرالأرض والانسان.

اليوم، وشعب العراق ومقاومته الباسلة التي تتواجد على مساحات واسعة من أرض الوطن، يعبرون العام الثالث للاحتلال وهم أكثر ثقة بالنصر، فالعمليات المتصاعدة ضد المحتل في أكثر من مكان، على الرغم من التعتيم الاعلامي عليها "المواجهات المسلحة في البصرة، النجف، الديوانية والعمارة" تسقط تضليل الاعلام الموجه أمريكياً، بأن المقاومة محصورة في المثلث أو المربع! إن شعب العراق يؤكد للعالم بأن مجابهة الغزو، تتجاوز حدود الوطن والذات العراقية، لتتحول إلى مهمة ملحة لحركة التحرر العربية، وللقوى الثورية العالمية، لأن إخفاق المشروع الإستعماري التوسعي في العراق ومنطقتنا، سيوفر للقوى الثورية المناهضة للعولمة الامبريالية المتوحشة عوامل الانتصار.

9 / 4 / 2006

للعودة الى : سيبقى العراق الى ألأبــــــد

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker