أطراف الصراع في العراق؟
الرجل الضاغط على يد الرئيس
الممسك بأزرار الحرب
يمكن أن يضغط على أزرار أخرى
عند الضرورة
ديك تشيني ثعلب الإدارة وثعبانها
ماذا يُخفي وراء زيارته لبغداد؟
ماذا يعني كلام سعود الفيصل في مؤتمر شرم الشيخ أن المملكة تقف على مسافة واحدة
من كل أطراف الصراع في العراق؟!
ولماذا اعتذر خادم الحرمين عن استقبال المالكي ثم وجّه له دعوة رسمية بعد أيام؟؟
ماذا يُخفي وراء زيارته لبغداد؟
ماذا يعني كلام سعود الفيصل في مؤتمر شرم الشيخ أن المملكة تقف على مسافة واحدة
من كل أطراف الصراع في العراق؟!
ولماذا اعتذر خادم الحرمين عن استقبال المالكي ثم وجّه له دعوة رسمية بعد أيام؟؟
نبيل أبو جعفر
فضح الأميركان أنفسهم باستعجالهم المتلهّف لفبركة كيفية الهروب من العراق بمساعدة حلفائهم وأصدقائهم، تماماً كما فبركوا كيفية احتلاله، وكان الانفضاح هذه المرّة فيما سعى إليه ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي من وراء زيارته المفاجئة لبغداد وبعض عواصم المنطقة، بعد أيام قليلة من انتهاء مؤتمر شرم الشيخ، وفيما تفوّه به أيضاً.
فبعد أكثر من 15 مؤتمراً عُقدت لأجل العراق كان آخرها في شرم الشيخ الذي سبقه بشهر واحد مؤتمر آخر ببغداد. لم يتغيّر أي شيء على الأرض، باستثناء الرجوع إلى الوراء، وتكالُبْ السلطة التي نصّبها الاحتلال على طلب الدعم المادي من أي مصدر، وسداد الديون المتوجّب دفعها.
هذا البلد العربي الذي عُرف بعطائه للجميع أيام "دكتاتورية النظام السابق"، أصبح البلد الأكثر إلحاحاً على الاستجداء في زمن "ديمقراطية الأميركان" وأتباعهم. فإذا كان الأميركان لا يتوقّفون عن الإدعاء بإحراز تقدّم في ترسيخ الأمن، بينما يُشاهد العالم يومياً عمليات الإجرام الميليشياوي، ولا يكلّون من تكرار الحديث عن العملية السياسية وضرب الإرهاب، فإن حكام بغداد الجدد لم يعودوا يخجلوا بدورهم من استمرار طلب معونة العالم، في الوقت الذي يدّعون فيه تحسّن أوضاع الاقتصاد، وملاحقة الفساد، وقطع أشواط في تحقيق الأمن"!"، وهو ما قاله "المالكي" أمام "مؤتمر شرم الشيخ"، ثم سرعان ما تكشّف على لسان مسؤولين أُمميّين وأجانب عن وجود شركات أمن "اسرائيلية" خاصة من المرتزقة، تمارس القتل والتعذيب ضد العراقيين دون ضابط ولا مساءلة وقد وصل الأمر بهم إلى حدّ قطع الطرق ليلاً في بعض المناطق لترويج بضائعهم من سائر أصناف المخدرات!
نفاق للأميركان
بالطبع، لم يأتِ المشاركون في "مؤتمر شرم الشيخ" على ذكر هذه الشركات، ولم يسألوا كيف يُسمح لها بالعمل، ولم يستفسر أحدٌ منهم – ولو بلطف شديد – من الآنسة كوندوليزا رايس عن آخر أخبار جدولة الانسحاب من العراق، ولا فرّقوا بين المقاوم والعميل أو القاتل والمقتول، بل أخذوا بمقولة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التي كانت "زبدة" ما تفوّه به أمام المؤتمرين أن مملكته "تقف على مسافة واحدة ومتساوية من جميع الأطراف في العراق"! مع التأكيد على ضرورة أن تصل هذه الأطراف إلى مصالحة وطنية شاملة!
وبالطبع أيضاً لم يسأل الأميركان ولا العربان وسائر الحاضرين معهم، كيف يمكن أن يقف المرء على مسافة واحدة بين المقاوم والعميل، بين القاتل والمقتول، وبين شلّة المتحكمين الطائفيين والفئويين، وعشرات الآلاف من المساجين والمعتقلين، وقبلهم مئات الآلاف من الشهداء وملايين المشردين خارج العراق وداخله، بل ردّدوا – حسب ما أُوعز لهم- كلمات تصب في نفس السياق!
حتى أمين عام الجامعة العربية الذي أصبح في هذه الأيام صورة مشوّهة عن أكثر الأنظمة تشوّهاً ردّد كلاماً عمومياً مشابهاً، داعياً بأسلوب يحتمل كل التفاسير إلى وقف نزيف الدم وإجراء مصالحة شاملة.
لذلك، لم يكن غريباً أن يصفق الحاضرون ببلاهة للآنسة رايس عندما طالبت المالكي بضرورة العمل على "تحسين حياة العراقيين"، ولم يسألوها لماذا لم تطالبه بالحرص على حياة العراقيين وهو الأهم والأكثر أولوية من "التحسين"!
وأمام سيل الوعود الوردية والكلام النفاقي، لم يجر لفت انتباه الحاضرين إلى أن الأفعال لا الأقوال هي المقياس، وأن أفعال الأميركان وأتباعهم في العراق تسير في الاتجاه المعاكس لما يُقال ويتردد، بل آثرت الآنسة رايس استعمال هذا التعبير في معرض الغمز من سورية، عندما سئلت عن انطباعاتها حول لقائها السريع مع وزير خارجيتها وليد المعلّم فقالت: "الأفعال هي التي تُعبّر عن نفسها بصوت أعلى من الكلمات"!
أحجار شطرنج على رقعة البيت الأبيض
وعلى ذكر الأفعال - لا الأقوال -، وبالعودة الى كلام سعود الفيصل حول المسافة الواحدة من كل الأطراف، استرعى انتباه الجميع أيضاً تسريب السعودية بشكل واسع خبر رفض "خادم الحرمين" استقبال المالكي، وكان من ضمن ما روّجه بعض الصحافيين المرتبطين بالمملكة أن هذا الموقف يعبّر عن استياء السعودية من الممارسات الطائفية التي ترتكبها الميليشيات الطائفية التابعة أو الداعمة للمالكي، وسكوته عليها.
ولأن السعودية تعمل كما هو معروف بوجهين ولسانين، فلم يكد ينفضّ مؤتمر الشيخ حتى سارع وزير الخارجية السعودي نفسه – بعد لقائه مع كوندوليزا حتماً- إلى إبلاغ العراقيين عن رغبة المملكة في زيارة المالكي لها، وأن هناك دعوة رسمية ستوجّه اليه، وليس هذا فقط، بل أبدى انزعاج المملكة من الإشاعات التي روّجتها بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية حول امتناع السعودية عن استقبال المالكي!
هكذا، بلقاء سريع على الأغلب بين الآنسة و"سموّه" حُلّت المشكلة بين "الحكومتين الشقيقتين"، وعادت المياه إلى مجاريها وأصبح من المرتقب أن نسمع قريباً أخبار الترحاب الزائد بالمالكي في الرياض، تأكيداً على مبدأ وقوف المملكة على مسافة واحدة من كل الأطراف!
وقياساً على هذه الأجواء، يبدو من العبث استعراض مواقف سائر الذين سيقوا إلى شرم الشيخ لأنهم كلهم تحركّوا كأحجار الشطرنج، وكانت أعين ممثليهم لا تبتعد عن التركيز على وجه الآنسة رايس لمراعاة انطباعات الرضى أو الامتعاض عليه.
فضح الأميركان أنفسهم باستعجالهم المتلهّف لفبركة كيفية الهروب من العراق بمساعدة حلفائهم وأصدقائهم، تماماً كما فبركوا كيفية احتلاله، وكان الانفضاح هذه المرّة فيما سعى إليه ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي من وراء زيارته المفاجئة لبغداد وبعض عواصم المنطقة، بعد أيام قليلة من انتهاء مؤتمر شرم الشيخ، وفيما تفوّه به أيضاً.
فبعد أكثر من 15 مؤتمراً عُقدت لأجل العراق كان آخرها في شرم الشيخ الذي سبقه بشهر واحد مؤتمر آخر ببغداد. لم يتغيّر أي شيء على الأرض، باستثناء الرجوع إلى الوراء، وتكالُبْ السلطة التي نصّبها الاحتلال على طلب الدعم المادي من أي مصدر، وسداد الديون المتوجّب دفعها.
هذا البلد العربي الذي عُرف بعطائه للجميع أيام "دكتاتورية النظام السابق"، أصبح البلد الأكثر إلحاحاً على الاستجداء في زمن "ديمقراطية الأميركان" وأتباعهم. فإذا كان الأميركان لا يتوقّفون عن الإدعاء بإحراز تقدّم في ترسيخ الأمن، بينما يُشاهد العالم يومياً عمليات الإجرام الميليشياوي، ولا يكلّون من تكرار الحديث عن العملية السياسية وضرب الإرهاب، فإن حكام بغداد الجدد لم يعودوا يخجلوا بدورهم من استمرار طلب معونة العالم، في الوقت الذي يدّعون فيه تحسّن أوضاع الاقتصاد، وملاحقة الفساد، وقطع أشواط في تحقيق الأمن"!"، وهو ما قاله "المالكي" أمام "مؤتمر شرم الشيخ"، ثم سرعان ما تكشّف على لسان مسؤولين أُمميّين وأجانب عن وجود شركات أمن "اسرائيلية" خاصة من المرتزقة، تمارس القتل والتعذيب ضد العراقيين دون ضابط ولا مساءلة وقد وصل الأمر بهم إلى حدّ قطع الطرق ليلاً في بعض المناطق لترويج بضائعهم من سائر أصناف المخدرات!
نفاق للأميركان
بالطبع، لم يأتِ المشاركون في "مؤتمر شرم الشيخ" على ذكر هذه الشركات، ولم يسألوا كيف يُسمح لها بالعمل، ولم يستفسر أحدٌ منهم – ولو بلطف شديد – من الآنسة كوندوليزا رايس عن آخر أخبار جدولة الانسحاب من العراق، ولا فرّقوا بين المقاوم والعميل أو القاتل والمقتول، بل أخذوا بمقولة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التي كانت "زبدة" ما تفوّه به أمام المؤتمرين أن مملكته "تقف على مسافة واحدة ومتساوية من جميع الأطراف في العراق"! مع التأكيد على ضرورة أن تصل هذه الأطراف إلى مصالحة وطنية شاملة!
وبالطبع أيضاً لم يسأل الأميركان ولا العربان وسائر الحاضرين معهم، كيف يمكن أن يقف المرء على مسافة واحدة بين المقاوم والعميل، بين القاتل والمقتول، وبين شلّة المتحكمين الطائفيين والفئويين، وعشرات الآلاف من المساجين والمعتقلين، وقبلهم مئات الآلاف من الشهداء وملايين المشردين خارج العراق وداخله، بل ردّدوا – حسب ما أُوعز لهم- كلمات تصب في نفس السياق!
حتى أمين عام الجامعة العربية الذي أصبح في هذه الأيام صورة مشوّهة عن أكثر الأنظمة تشوّهاً ردّد كلاماً عمومياً مشابهاً، داعياً بأسلوب يحتمل كل التفاسير إلى وقف نزيف الدم وإجراء مصالحة شاملة.
لذلك، لم يكن غريباً أن يصفق الحاضرون ببلاهة للآنسة رايس عندما طالبت المالكي بضرورة العمل على "تحسين حياة العراقيين"، ولم يسألوها لماذا لم تطالبه بالحرص على حياة العراقيين وهو الأهم والأكثر أولوية من "التحسين"!
وأمام سيل الوعود الوردية والكلام النفاقي، لم يجر لفت انتباه الحاضرين إلى أن الأفعال لا الأقوال هي المقياس، وأن أفعال الأميركان وأتباعهم في العراق تسير في الاتجاه المعاكس لما يُقال ويتردد، بل آثرت الآنسة رايس استعمال هذا التعبير في معرض الغمز من سورية، عندما سئلت عن انطباعاتها حول لقائها السريع مع وزير خارجيتها وليد المعلّم فقالت: "الأفعال هي التي تُعبّر عن نفسها بصوت أعلى من الكلمات"!
أحجار شطرنج على رقعة البيت الأبيض
وعلى ذكر الأفعال - لا الأقوال -، وبالعودة الى كلام سعود الفيصل حول المسافة الواحدة من كل الأطراف، استرعى انتباه الجميع أيضاً تسريب السعودية بشكل واسع خبر رفض "خادم الحرمين" استقبال المالكي، وكان من ضمن ما روّجه بعض الصحافيين المرتبطين بالمملكة أن هذا الموقف يعبّر عن استياء السعودية من الممارسات الطائفية التي ترتكبها الميليشيات الطائفية التابعة أو الداعمة للمالكي، وسكوته عليها.
ولأن السعودية تعمل كما هو معروف بوجهين ولسانين، فلم يكد ينفضّ مؤتمر الشيخ حتى سارع وزير الخارجية السعودي نفسه – بعد لقائه مع كوندوليزا حتماً- إلى إبلاغ العراقيين عن رغبة المملكة في زيارة المالكي لها، وأن هناك دعوة رسمية ستوجّه اليه، وليس هذا فقط، بل أبدى انزعاج المملكة من الإشاعات التي روّجتها بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية حول امتناع السعودية عن استقبال المالكي!
هكذا، بلقاء سريع على الأغلب بين الآنسة و"سموّه" حُلّت المشكلة بين "الحكومتين الشقيقتين"، وعادت المياه إلى مجاريها وأصبح من المرتقب أن نسمع قريباً أخبار الترحاب الزائد بالمالكي في الرياض، تأكيداً على مبدأ وقوف المملكة على مسافة واحدة من كل الأطراف!
وقياساً على هذه الأجواء، يبدو من العبث استعراض مواقف سائر الذين سيقوا إلى شرم الشيخ لأنهم كلهم تحركّوا كأحجار الشطرنج، وكانت أعين ممثليهم لا تبتعد عن التركيز على وجه الآنسة رايس لمراعاة انطباعات الرضى أو الامتعاض عليه.
لكن هذه الأجواء المشحونة بالنفاق والرهبة معاً لم تمنع البعض من قول الحق ولو أريد به باطل كاعتراف المالكي (أبو الميليشيات) أن الميليشيات وسلطة القانون نقيضان لا يجتمعان، وأن الدولة تعمل على دمج أفراد هذه الميليشيات في مؤسساتها (بدل العمل على مساءلتهم!)، وقوله متعمداً بلهجة تهديدية في الدقائق الأخيرة قبل انتهاء المؤتمر: "إذا لم تُسدّد الدول التزاماتها المالية التي تعهّدت بها تجاهنا فلن يكون هناك أمل في أي مؤتمر جديد آخر"!
أي بصراحة، ستتأكد النهاية الفيتنامية على أرض العراق، وسنرى بأم أعيننا المشهد الأخير للمصيبة التي حلّت بالاحتلال وأتباعه وأعوانه، وهو ما أكدت عليه رايس بأسلوب آخر عندما خاطبت الحاضرين وهي تحدّق في وجوه ممثلي الدول التي شاركت في جريمة الاحتلال، أو سهّلت لها الطريق، قائلة بالحرف: "أن الفشل في العراق لن يُقتصر عليه وحده بل سيطال كل دول منطقة الجوار"!
وراء الأكمة ما وراءها
السؤال الآن: إذا كان أكثر من 15 مؤتمراً لم يفضوا إلى أي نتيجة، لأن الأميركان مستمرون في الإصرار على الرؤية بعين واحدة وعلى محاورة أنفسهم بأنفسهم، دون الاعتراف بالعقدة الأساسية المهمّة التي يجري تغييبها دوماً في كل مسعى أو تحرّك، وهي الوحيدة التي يمكن أن يوصلهم "حلّها" إلى حلّ غير مشروط من قبل الاحتلال، فلماذا كانت إذن زيارة ديك تشيني – بالذات – إلى بغداد وجولته في المنطقة بعد انتهاء مؤتمر حضرته أكثر من ستين دولة ومنظمة أممية وإقليمية، وفي مقدمتهم حكامنا ومنظماتنا العربية والإسلامية بهدف التظاهر من أجل نصرة الاحتلال وإنقاذه، لا لنصرة الشعب المحتل ومقاومته؟
قبل التوقف أمام إبلاغه المالكي وأهل الحكم في العراق بأن صبر الولايات المتحدة قد بدأ ينفد ، وهي أبرز جملة قالها ديك تشيني بلسانه هذه المرّة، مع أنها معادة على لسان غيره مرّات في السنة الأخيرة، علينا أن نقرأ ماذا تعني هذه المرة، وعلى لسان هذا الرجل تحديداً، الذي اعترف البريطانيون مؤخراً أنهم كانوا يجهلون مدى الثقل الذي يمثّله في مركز القرار الأميركي، وأنهم لم يكونوا على دراية بالدور الحقيقي الذي يقوم به، ولهذا قلّلوا من أهميته.. وتجاهلوا تأثيره ففقدوا تأثيرهم على كامل الإدارة الأميركية.
هذا على الأقل ما اعترف به وزير الدفاع البريطاني السابق جيف هون في حديث له إلى صحيفة "الغارديان" / عدد 3 أيار الجاري، وهو يوصلنا إذا ما تمحصنا فيه إلى نتيجة مفادها أن هذا الرجل الضاغط على يد الرئيس الممسك بأزرار الحرب يمكن أن يضغط على أزرار أخرى عند الضرورة القصوى.
العارفون جيداً بشخصية ديك تشيني، ثعلب الإدارة وثعبانها في الآن عينه، يؤكدون أنه لم يأتِ ليقول أن صبره بدأ ينفد ثم يمشي كسائر الذين كرّروا هذه العبارة من رامسفيلد إلى كوندوليزا إلى خليل زادة وغيرهم، ثم طارت في الهواء وطار بعضهم معها.
لو أراد ذلك، لقام بإبلاغه إلى أهل الحكم في بغداد عبر أي وسيلة أو مبعوث، لكن الأرجح أن صبره قد نفد فعلاً، وأن الطرقات كلها قد سُدّت، وأن المراهنة على الأتباع والحلفاء والمتفرجين لم يعد تُجدي الآن بعد استنفاذ كل السبل لإيجاد حل مع غير الطرف القادر على الحل.
طرفان فقط بيدهما الحل
ليس من المتوقع أن يعترف ديك تشيني جهاراً أن بلاده تعيش مرحلة انهيار ما بعد الانهيار العسكري، وأنهم لم يعرفوا العراقيين جيداً، وقد أخطأوا عندما صدّقوا أتباعهم بأن الورود تنتظرهم في شوارع بغداد، لكن هذا لا يعني أن الرجل لم يدرك – ولو بعد فوات الأوان- طريق الحل الوحيد، وأن الذين وجدوا القدرة على المشاركة مع الأميركان في عملية الاحتلال، ليس بمقدورهم ولا باستطاعتهم المشاركة في عملية الحل.
لقد أدركت الإدارة الأميركية على الأغلب أنها أصبحت وجهاً لوجه مع نفسها وما اقترفت يداها، وانه لولا المقاومة وفعلها الإعجازي، لما وصلت إلى هذه النتيجة، وعليها وحدها أن تحكّ جلدها بأظافرها، فلا الحليفة بريطانيا ولا السعودية ولا مصر أو إيران أن تستطيع وضع حدّ نهائي لهذا المأزق.
وضع الحد النهائي لا يقدر عليه سوى طرفين في هذه الدنيا، هما الاحتلال: سبب الكارثة وأسّ الإجرام المتعدد الأشكال والأوصاف، والمقاومة: الصيغة الشرعية الوحيدة فوق كل أرض محتلة، وبدون هذين الطرفين سيبقى من العبث استمرار عقد المؤتمرات والحوارات فالزيارات والتهديدات... وسيبقى الأميركان يجترّون هزيمتهم كما يجترّ البعير طعامه عندما يصيبه الجوع.
هل إلى هذا الحد وصل تشبيه الأميركان؟
الجواب عند ديك تشيني الذي يبدو فعلاً أنه الوحيد الضاغط على يد حامل زر الحرب والهرب في الآن عينه.
أي بصراحة، ستتأكد النهاية الفيتنامية على أرض العراق، وسنرى بأم أعيننا المشهد الأخير للمصيبة التي حلّت بالاحتلال وأتباعه وأعوانه، وهو ما أكدت عليه رايس بأسلوب آخر عندما خاطبت الحاضرين وهي تحدّق في وجوه ممثلي الدول التي شاركت في جريمة الاحتلال، أو سهّلت لها الطريق، قائلة بالحرف: "أن الفشل في العراق لن يُقتصر عليه وحده بل سيطال كل دول منطقة الجوار"!
وراء الأكمة ما وراءها
السؤال الآن: إذا كان أكثر من 15 مؤتمراً لم يفضوا إلى أي نتيجة، لأن الأميركان مستمرون في الإصرار على الرؤية بعين واحدة وعلى محاورة أنفسهم بأنفسهم، دون الاعتراف بالعقدة الأساسية المهمّة التي يجري تغييبها دوماً في كل مسعى أو تحرّك، وهي الوحيدة التي يمكن أن يوصلهم "حلّها" إلى حلّ غير مشروط من قبل الاحتلال، فلماذا كانت إذن زيارة ديك تشيني – بالذات – إلى بغداد وجولته في المنطقة بعد انتهاء مؤتمر حضرته أكثر من ستين دولة ومنظمة أممية وإقليمية، وفي مقدمتهم حكامنا ومنظماتنا العربية والإسلامية بهدف التظاهر من أجل نصرة الاحتلال وإنقاذه، لا لنصرة الشعب المحتل ومقاومته؟
قبل التوقف أمام إبلاغه المالكي وأهل الحكم في العراق بأن صبر الولايات المتحدة قد بدأ ينفد ، وهي أبرز جملة قالها ديك تشيني بلسانه هذه المرّة، مع أنها معادة على لسان غيره مرّات في السنة الأخيرة، علينا أن نقرأ ماذا تعني هذه المرة، وعلى لسان هذا الرجل تحديداً، الذي اعترف البريطانيون مؤخراً أنهم كانوا يجهلون مدى الثقل الذي يمثّله في مركز القرار الأميركي، وأنهم لم يكونوا على دراية بالدور الحقيقي الذي يقوم به، ولهذا قلّلوا من أهميته.. وتجاهلوا تأثيره ففقدوا تأثيرهم على كامل الإدارة الأميركية.
هذا على الأقل ما اعترف به وزير الدفاع البريطاني السابق جيف هون في حديث له إلى صحيفة "الغارديان" / عدد 3 أيار الجاري، وهو يوصلنا إذا ما تمحصنا فيه إلى نتيجة مفادها أن هذا الرجل الضاغط على يد الرئيس الممسك بأزرار الحرب يمكن أن يضغط على أزرار أخرى عند الضرورة القصوى.
العارفون جيداً بشخصية ديك تشيني، ثعلب الإدارة وثعبانها في الآن عينه، يؤكدون أنه لم يأتِ ليقول أن صبره بدأ ينفد ثم يمشي كسائر الذين كرّروا هذه العبارة من رامسفيلد إلى كوندوليزا إلى خليل زادة وغيرهم، ثم طارت في الهواء وطار بعضهم معها.
لو أراد ذلك، لقام بإبلاغه إلى أهل الحكم في بغداد عبر أي وسيلة أو مبعوث، لكن الأرجح أن صبره قد نفد فعلاً، وأن الطرقات كلها قد سُدّت، وأن المراهنة على الأتباع والحلفاء والمتفرجين لم يعد تُجدي الآن بعد استنفاذ كل السبل لإيجاد حل مع غير الطرف القادر على الحل.
طرفان فقط بيدهما الحل
ليس من المتوقع أن يعترف ديك تشيني جهاراً أن بلاده تعيش مرحلة انهيار ما بعد الانهيار العسكري، وأنهم لم يعرفوا العراقيين جيداً، وقد أخطأوا عندما صدّقوا أتباعهم بأن الورود تنتظرهم في شوارع بغداد، لكن هذا لا يعني أن الرجل لم يدرك – ولو بعد فوات الأوان- طريق الحل الوحيد، وأن الذين وجدوا القدرة على المشاركة مع الأميركان في عملية الاحتلال، ليس بمقدورهم ولا باستطاعتهم المشاركة في عملية الحل.
لقد أدركت الإدارة الأميركية على الأغلب أنها أصبحت وجهاً لوجه مع نفسها وما اقترفت يداها، وانه لولا المقاومة وفعلها الإعجازي، لما وصلت إلى هذه النتيجة، وعليها وحدها أن تحكّ جلدها بأظافرها، فلا الحليفة بريطانيا ولا السعودية ولا مصر أو إيران أن تستطيع وضع حدّ نهائي لهذا المأزق.
وضع الحد النهائي لا يقدر عليه سوى طرفين في هذه الدنيا، هما الاحتلال: سبب الكارثة وأسّ الإجرام المتعدد الأشكال والأوصاف، والمقاومة: الصيغة الشرعية الوحيدة فوق كل أرض محتلة، وبدون هذين الطرفين سيبقى من العبث استمرار عقد المؤتمرات والحوارات فالزيارات والتهديدات... وسيبقى الأميركان يجترّون هزيمتهم كما يجترّ البعير طعامه عندما يصيبه الجوع.
هل إلى هذا الحد وصل تشبيه الأميركان؟
الجواب عند ديك تشيني الذي يبدو فعلاً أنه الوحيد الضاغط على يد حامل زر الحرب والهرب في الآن عينه.
Labels: أطراف الصراع في العراق؟