السياسة الامريكية في العراق .. البحث عن منفذ للخروج
من المأزق :اختبار التحديات الخارجية .. واختيار الاستحاقات الداخلية
عاشور صالح شكوي
تمر السياسة الامريكية في العراق .. بأوقات حرجة وعصيبة .. وهو ما اقره الرئيس الامريكى جورج دبليو بوش الذي شبه ما تواجهه القوات الامريكية بالعراق .. بما واجهته امريكا من حرب فيتنام عام 1968ف فيما اعترف وزير الدفاع الامريكى دونالدرا مسفيلد باستحالة الحل العسكرى للازمة في العراق .. وسط تزايد الانتقادات المتبادلة بين الادارة الامريكية وحكومة المالكى " بالمنطقة الخضراء " ببغداد .. في وقت تستعد فيه امريكا لاستحقاقات انتخابات الكونغرس بين الجمهوريين والديمقراطيين الذين يراهنون على فشل سياسة ادارة الجمهوريين في العراق ويسعون لسحب البساط من تحت اقدامهم بعد سيطرة جمهورية على الكونغرس استمرت 12 عاما فهل بقى اى وقت امام الادارة الامريكية والجمهوريين لتصحيح سياستهم في العراق ؟! ام ان هذه السياسة ستظل معلقة بين اختبار التحديات الخارجية واختيار الاستحاقات الداخلية الامريكية ؟!
هذه المفارقة تصاعد الالحاح في طرحها في ضوء النتائج التي اسفر عنها مسار الاوضاع الامنية والسياسية والعسكرية بالعراق خلال الاسابيع الاربعة الاخيرة .. الامر الذي دفع بالادارة الامريكية الى مراجعة حساباتها في العراق بشكل كامل .. وقد عقد رئيس الادارة الامريكية جورج دبليو بوش اجتماعا مع وزير الدفاع الامريكى وقائد القيادة الوسطى الامريكية وقائد القوات الامريكية في العراق الى جانب رؤساء وجنرالات وخبراء استراتيجيين امريكيين تناول الاجتماع السبل الكفيلة لوضع حد للتدهور المتسارع للاوضاع في العراق ووضع خطط استراتيجية بديلة للسيطرة على العمليات العسكرية التي تنفذها المقاومة العراقية ضد القوات الامريكية وكانت القوات الامريكية قد تكبدت خلال هذا الشهر الجارى التمور " اكتوبر " اكبر عدد من القتلى في صفوف جنودها فاق المئة جندى امريكى وقد اعترف الرئيس الامريكى بأن الامر يعد قاسٍ في العراق وقال بوش في مقابلة اجرته معه وكالة الصحافة المشتركة الامريكية للانباء ان الامر كذلك قاس على المواطنين الامريكيين الذين يشاهدون ذلك عبر الاذاعات المرئية .. ويعنى بوش بذلك رؤية جثث الجنود الامريكيين القتلى وفي خضم الاعترافات الامريكية الرسمية لخطورة الاوضاع في العراق وشدة العمليات العسكرية المنظمة التي تقوم بها المقاومة العراقية اعترف الرئيس الامريكى لشبكة اى ـ بى ـ سى الامريكية في العشرين من شهر التمور " اكتوبر 2006 ف " بان الوضع الذي تواجهه امريكا في العراق اصبح لا يختلف عن الوضع الذي واجهته في حربها بفيتنام قبل اربعة عقود اى في العام 1968ف واقر بوش في هذه المقابلة بان الهجمات المسلحة في العراق ضد القوات الامريكية تشهد تصعيدا متزايدا وكان الرئيس الامريكى قد رفض في السابق وصف الحالة التي عليها القوات الامريكية في العراق وما تتكبده من خسائر على يد المقاومة العراقية بانها مشابه للحالة الامريكية في حرب فيتنام .
نفاذ الصبر
وفي مؤتمر صحفى عقده الاسبوع الماضى اعترف الرئيس الامريكى كذلك بصعوبة نجاح المشروع الامريكى في العراق وحمل حكومة المالكى مسؤولية الفلتان الامنى وقال انه صبره ليس بلا حدود وفي ذلك اشارة على وجود خلافات امريكية مع الحكومة العراقية " المنتخبة " بالمنطقة الخضراء ببغداد ..
وقد انتقد رئيس الحكومة العراقية المالكى اسلوب ادارة القوات الامريكية لحملاتها العسكرية في المدن والقرى العراقية وقال انها لا تتم بالتنسيق المباشر مع حكومته .. وردت الادارة الامريكية على هذه التصريحات بالقول ان الحكومة العراقية على علم مسبق بالعمليات التي تنفذها القوات الامريكية بالعراق وخاصة ضد " ميليشيات " الصدر ورد المالكى قبل ايام بان سلطاته المحدودة لا تعطيه المجال لكى يرتب المسائل الامنية بالعراق ورفض المالكى اعطاء جدول زمنى للقضاء على " الميليشيات " المسلحة في العراق وفي ذلك اشارة اخرى على ان حكومة " المنطقة الخضراء " ببغداد ليست سوى اداة لتنفيذ السياسة الامريكية وهذه الاشارات الحذرة التي صدرت عن رئيس الحكومة العراقية والتي ترصدها الاوساط السياسية المتابعة اكدت بأن الباب لايزال مشرعا وبصورة كاملة على مواصلة الحرب في العراق وان كل الخطط الامنية التي صاغتها الادارة المدنية والعسكرية الامريكية في بغداد بالتنسيق المباشر مع الادارة الامريكية في البيت الابيض قد باءت بالفشل الذريع الامر الذي يضع حكومة المالكى في المحك الامريكى وانهــا قد تسقط .
الحل السياسى
وقد اطل وزير الدفاع الامريكى دونالد رامسفيليد الاسبوع الماضى هو الاخر ليعترف امام الرأي العام الامريكى والرأي العام العالمى بان الحملة الامريكية العسكرية على العراق فشلت وانه من المستحيل حل الازمة العراقية بالطرق العسكرية وان حلها يكمن ضمن الوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا ان دل على شئ فانما يدل على ان كل الحملة الامريكية على العراق قبل العام 2003ف وبعد احتلاله كانت خاطئة من الاساس لانها ارتكزت على معلومات استخباراتية مضللة وغير دقيقة وتقارير خاطئة رسمها اولئك الذين جيئ بهم من خارج العراق ليحكموه ولكن ما هى امكانية التوصل الى حل سياسى للا زمة يجنب العراق الكارثة ويشكل تاليا " مخرجا مشرفا " لامريكا والاطراف المتورطة معها في احتلال العراق ؟!
المؤشرات التي بنت عليها الاوساط السياسية والدبلوماسية تقديراتها حول هذه المسألة اعتمدت في جانب اساسى منها .. على مقدار التغير الذي طرأ على " اللهجة " التي يستخدمها صناع القرار السياسى والعسكرى في البيت الابيض الامريكى في التعبير عن موقفهم في شأن التدهور المتصاعد للاوضاع الامنية في العراق وللعدد المتزايد من القتلى في صفوف الجنود الامريكيين واول ما تلت تلك الاوساط المتابعة الانتباه اليه هو انتقال اللهجة المستخدمة من جانب المسؤولين الامريكيين الى الاعتراف بالامر الواقع في العراق والاعتراف بالخسائر الامريكية اليومية واطلاع الرأي العام الامريكى عليها بعد ان كانت الادارة الامريكية مارست ضغوطا ورقابة متشددة على وسائل الاعلام الامريكية بعدم نشر حجم الخسائر الامريكية في العراق ونشر تقارير وهمية تؤكد احرز نصر متقدم في العراق وان العملية العسكرية في العراق تسير وفق الخطط المرسومة وكذلك نشر اسماء وهمية والادعاء انها عناصر مسؤولة في تنظيمات المقاومة العراقية لتطمئين الشعب الامريكى بان الامور تسير على خير ما يرام ولكن الانعكاس الذي تعاملت به وسائل الاعلام الامريكية في الفترة الاخيرة عاكس تطلعات الادارة الامريكية وقدم للامريكيين الحقائق الغائبة عنهم واظهرت انه لا نصر تحقق في العراق بل خسائر متزايدة وجثث تصل الى امريكا يوميا في توابيت .
والمستوى الاخر الذى ظهرت به الادارة الامريكية في الاونة الاخير في لهجتها الجديدة في التعاطى مع الاوضاع في العراق اختار " الحوار " مع المقاومة العراقية كضامن كى يجنب امريكا المزيد من الخسائر العسكرية ويوقف التدهور المستمر في شعبية الادارة الامريكية في الداخل والتي وصلت الى مستوياتها الدنيا.
وفي ضوء هذه المعطيات يتساءل العديد من المراقبين المتابعين لتطورات الاحداث العسكرية والامنية في العراق عن جدية وفاعلية الخطط الامنية والاستراتيجية الامريكية الجديدة في العراق ؟! وهل في استطاعتها رسم تصورات بديلة تحفظ ماء الوجه للادارة الامريكية المقبلة على تحديات داخلية هامة ؟!
يجيب هؤلاء المراقبون ان وزيرة الخارجية الامريكية كونداليز رايس شرحت مع الرئيس الامريكى ابعاد الخطة السياسية المستجدة في العراق واهدافها والتي تستند على تقارير امريكية اعدت في بغداد وترمى الى ضرورة دفع حكومة المالكى الى تقسيم البلاد الى اقاليم فيدرالية كخطوة اولى نحو الهدف الرئيسى المتمثل في تقسيم العراق الى ثلاث مناطق رئيسية ونهائية وهى الاكراد في الشمال والعرب السنة في الوسط والعرب الشيعة في الجنوب وانه لحل سياسى للازمة الراهنة الا وفق هذا الخيار وبالتالى يفتح لامريكا مخرجا من الازمة وتعمل من ثم على سحب قواتها تدريجيا مع الابقاء على تواجدها في العراق من خلال قواعد عسكرية يتم انشاءها بعيدا عن فوضى وتراكم الامور السياسية والامنية بالعراق ولفت المراقبون انفسهم الى ان وزيرة الخارجية الامريكية لم توضح اذا كان قد بدر اى مرونة من الاطراف السياسية العراقية الرافضة لتقسيم البلاد والتي تتمتع بحضور جماهيرى واسع بالعراق والتي سبق لها وان رفضت نظام الاقاليم الفيدرالية وترفض الربط بين الازمة الداخلية التي تواجهها ادارة الرئيس جورج دبليو بوش والازمة السياسية والامنية العراقية ومشاكل المنطقة الاخرى .. " لان من شأن ذلك تعقيد كل المشاكل " .
ولاحظ هؤلاء المراقبون اعراب وزيرة الخارجية الامريكية عن املها في ان يكون لدى الحكومة العراقية الحكمة الكافية لاختيار " طريق السلام " وان " تصدق " بان التهديد الذي تواجهه القوات الامريكية بالعراق هو تهديد مباشر لها غير ان بعض المصادر المقربة من الرئيس الامريكى ان الرئيس جورج دبليو بوش يفكر في اسقاط حكومة المالكى التي فشلت في تنفيذ وعودها التي وعدت بها وان وجودها صار تهديد حقيقى وجدى للمشروع الامريكى في العراق وفي هذا المجال يطرح هؤلاء المراقبون سؤالا محددا : ماذا في جعبة الرئيس الامريكى من تصورات المستقبل العملية السياسية في العراق بعد ثلاث سنوات من الاخفاق ؟ " التصور " الذي يرسمه الرئيس الامريكى يقوم على ضرورة ايجاد حكومة قوية في المنطقة الخضراء وان تغير الخطط العسكرية والاستراتيجية الامريكية في العراق لابد وان يكون مصاحب بتغير مماتل في " السلطة العراقية " اى تغيير الحكومة العراقية والبحث عن حكومة قوية تملك الحلول السياسية والامنية معا وليس ببعيد كما يقول المراقبون ان تتولى الادارة المدنية الامريكية في العراق ادارة البلاد من جديد وتنصيب حاكم عسكري امريكي على العراق ريتما يتم العثور على توليفة سياسية عراقية قوية ..
وهذا الامر توقف على معرفة الشكل العام الذي ستكون عليه العراق مع نظام الاقاليم الفيدرالية .
وقد اكد مسؤول امريكي في الخارجية الامريكية .. ان حالة الارباك التي عليها الادارة الامريكية في العراق .. تستدعي ضرورة التعجيل بسحب القوات الامريكية من العراق .. وقال هذا المسؤول .. ان التصور الامريكي للاوضاع في العراق يجب ان يكون قائم على الفصل بين ازمتي تفاقم الاوضاع الامنية في العراق وازم بقاء القوات الامريكية .. والقوات الاخرى متعددة الجنسية .. واضاف .. ان اي رهن لاي انسحاب امريكي بالعملية السياسية والامنية في العراق.. يجب ان لايقوم على الربط المعكوس بين الازمتين .. بمعنى حل الازمة السياسية والامنية بالعراق كأولوية ملحة .. ثم النظر بعد ذلك الى مختلف صور واشكال الانسحاب الامريكي من العراق .. وقال عضو ديمقراطي في الكونغرس الامريكي .. ان منحنى الحرب الامريكية في العراق سلك مسلكا خطيرا تدفع ثمنه امريكا بالكامل .. وهذا المسلك اصبح رهين لحسابات شخصية عند الرئيس الامريكي .. الذي لاينظر للامر من ناحية المصلحة العامة لامريكا وتساءل هذا لعضو .. ما الذي حققته الادارة الامريكية .. في سياستها بالعراق لامريكا ؟
وبالطبع لم يكن هذا استنتاجا مجردا .. جرى استشفافه من خلال مسار الاحداث المتصاعدة بالعراق .. وانما يعكس الصورة الداخلية التي اصبحت عليها الادارة الامريكية وانعكاسات سياستها بالعراق.
انتخابات الكونغرس
في هذا السياق .. ثمة من المراقبين من يحاول استنطاق التطورات الداخلية في امريكا باقتراب موعد انتخابات الكونغرس الامريكي من شهر الحرث »نوفمبر« والتي يسعى الجمهوريين .. ان يحافظوا على نسبة الاغلبية في تمثيلهم فيه .. ولكن وحسب استطلاعات الرأي الذي اجريت مؤخرا . اظهرت نتائجها ان غالبية الامريكيين سوف تصوت لمصلحة الديمقراطيين .. وانهم يرغبون في تغيير الوجه السياسي لامريكا الذي اضرت به سياسة الجمهوريين في البيت الابيض والكونغرس معا .. ويراهن الديمقراطيون كثيرا على المأزق الذي عليه الادارة الامريكية الحالية في العراق ويعملون على تسليط الاضواء على حجم الخسائر الامريكية بالعراق يوميا .. وتسخير وسائل الاعلام الامريكية لتوضيح الصورة كاملة للشعب الامريكي .. والانزلاق الاخلاقي الذي وصلت اليه بسبب القوانين التي صاغها الرئيس الامريكي والكونغرس ضمن اطار الحرب على الارهاب .. حتى ان وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد اعترف بقوة الحملة الاعلامية الذي يقودها الديمقراطي هناك ضد الجمهوريين وادارة جورج بوش .. وقال ان هناك وسائل اعلام امريكية تعمل على افشال خطط الادارة في العراق .. ولكن ما تمر به السياسية الامريكية الداخلية والخارجية معا اليوم .. بعد شهر دامي امريكيا في العراق .. وهو الاسوأ طيلة السنوات الثلاث التي اعقبت الغزو الامريكي للعراق .. هو استنطاق تفرضة الكوامن المستقبلية لهذه التطورات .. التي ستملأ في مرحلة لاحقة .. كل فراغات الصورة .. وتفرز بالتالي مؤشرات بعيدة المدى .. بعضها يتعلق بصلب بقاء القوات الامريكية بالعراق والملفات الساخنة التي تمر بها منطقة »الشرق الاوسط« والبعض الاخر يتصل بعامل »الربط« بين الازمات الداخلية في الادارة الامريكية نفسها .. وداخل الكونغرس .. حول الابعاد الحقيقية في الحرب الامريكية على الارهاب .. وقوانينها التي اضرت بصورة امريكا في العالم وتراهن الادارة الامريكية في ان يحقق الحزب الجمهوري فوزا ولو بنسبة ضئيلة في استحقاقات الكونغرس القادمة .. يبقى اولا على المحافظة على تماسك الجمهوريين بمفاتيح الحياة السياسية الامريكية .. حتى موعد انتخابات الرئاسة الامريكية بعد عامين .. وثانيا .. الحفاظ على القوانين والقرارات التي صاغها الكونغرس في الحرب على الارهاب والتي يعارضها الديمقراطية بشدة .. وبخاصة الحرب الامريكية في العراق والتي يعتبرها نواب ديمقراطيين جوهر الصراع في المنطقة .
وفي اطار الجدل الدائر بخصوص هذه التطورات انقسمت اراء المحللين والمراقبين المعنيين بالازمة السياسية الداخلية الامريكية الى فريقين .. الاول رأي ان الاحتلال الامريكي للعراق دخل مرحلة نوعية جديدة .. تتماشى مع تصريحات المسؤولين الامريكيين الاخيرة .. القائلة انهم على استعداد لاعطاء الحلول السياسية المجال لايجاد مخرج من هذا المأزق والدخول في حوار مباشر مع لجان المقاومة العراقية من اجل الوصول الى تسوية سليمة تكون المقاومة العراقية طرفا سياسيا مباشرا وشريكا في الحياة السياسية العراقية الجديدة ..
وهناك فريقا اخر .. راي ان السياسة الامريكية في العراق لن تتغير طالما ظل جورج بوش في الحكم حتى نهاية ولايته الاخيرة ..
ويستدل هذا الفريق بارائه من تصريحات الرئيس الامريكي نفسه الذي يؤكد ان لا جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية من العراق قبل ان تنتهي مهامها .. وانه لايفكر في الانسحاب من العراق حتى تنتهي ولايته .. وان كان هناك اي انسحاب فليكون ضمن سياسة خليفته .. ويبرر جورج بوش موقفه .. بان الاعتراف بالفشل في العراق عسكريا يعتبر انتصار »للارهابيين« حسب وصفه في العراق وان النصر عليهم يعني نهاية للارهاب ؟! ولكن هل »الارهاب« اصبح العراق معقله ؟! وان القضاء عليه مرهون بنجاح السياسة الامريكية في العراق ؟!
الامريكيون انفسهم اعترفوا بان سياسة جورج بوش في العراق وحربه على الارهاب زادت من تفاقم الارهاب في العالم بنسبة 400 في المائة عما كان عليه قبل غزو العراق .. وان كل الشعارات والذرائع الامريكية بان الغزو الامريكي للعراق كان بسبب امتلاكه اسلحة دمار شامل .. ولعلاقة نظام صدام حسين بالقاعدة .. وللدفاع عن حقوق الانسان العراقي .. كل هذه الشعارات الامريكية »الجمهورية« ثبت زيفها.. وخذاعها .. فبعد ثلاث سنوات ونصف السنة من الغزو الامريكي للعراق .. هل عثرت القوات العراقية على اسلحة دمار شامل في العراق ؟! وبالنسبة لعلاقة الرئيس العراقي السابق صدام حسين ونظامه بالقاعدة قبل الغزو .. فقد اكد مجلس النواب الامريكي في شهر الفاتح »سبتمبر« الماضي انه لم تكن لصدام حسين علاقة بالقاعدة قبل الغزو وبعده .. وبالنسبة للدفاع عن حقوق الانسان في العراق .. فان الفضائح الامريكية التي كشف عنها في سجن ابو غريب .. والقمع والتنكيل والتعذيب الذي يتعرض له العراقيين على يد جنود الاحتلال الامريكي تعكس الوجه الاخر للحضارة الامريكية .. ولاننسى القتل العمد االجماعي الذي تمارسه القوات الامريكية ضد اسر عراقية .. الى جانب الاغتصاب والحرق الذي تتعرض له النساء العراقيات وعلى مرأي من ذويهم وفي السجون والمعتقلات ..
هذه الحقائق هي ما يستخدمه الديمقراطيون اليوم في حملتهم الانتخابية القادمة في الكونغرس الامريكي .. ويتوقع المراقبون ان تلحق هزيمة كبيرة بالجمهوريين وان يفقدوا سيطرتهم على الكونغرس بعـــد 12 عامــــا مــــن السيطرة عليه ..
كما يؤكد المراقبون ان الشعب الامريكي ينتظر ساعة الانتخابات ليقول الحقيقة ويعبر عن موقفه من سياسة الجمهوريين .. كما اعتبر المراقبون ان العنصر العربي والمسلم في امريكا سيدخل في تحالف مع الديمقراطيين لاسيما وان الاجراءات القسرية التي انتهجتها الادارة الامريكية بعد هجمات »11 سبتمبر« قوانين مكافحة الارهاب .. كانت اشد تعسفا وظلما ضد العرب والمسلمين في امريكا .. وهو الموقف الذي يذهب اليه الفريق الثاني .. ولكن وحسب الرؤية التي يسوقها كل فريق لمستقبل السياسة الامريكية الداخلية والخارجية .. لابد من تسجيل ان هذين الفريقين يلتقيان في ان السياسة الامريكية على مر تاريخها لم تبلغ حدا من التوتر .. مثلما هي الان في عهد جورج دبليو بوش .. وان استياء الرئيس الامريكي وكبار اركان اداراته من حكومة المالكي في المنطقة الخضراء ببغداد بلغ حدا كبيرا يعترف به المسؤولين الامريكيون .. باشارتهم الى ان اللغة المتنقاة بعناية في تصريحات الرئيس الامريكي .. في وصف حكومة المالكي ومواقفها .. لم تستطيع اخفاء هـذا الاستياء .
العصا الغليظة
ومع ذلك وبالعودة الى صلب الموضوع المتعلق بالشأن العراقي والتطورات الامنية والعسكرية فيه .. فان السؤال الجوهري الذي طرحته العديد من الاوساط السياسية والدبلوماسية المتابعة رغم كل الاعترافات والتصريحات المتناقضة بين اركان الادارة الامريكية .. هو الى اي مدى ستستمر امريكا في اعتماد »العصا الغليظة « في العراق .. في حالة فشل خططها الامنية والعسكرية الاستراتيجية وكذلك السياسية »المعدّلة« ؟!
تقول هذه الاوساط .. ان سلوك الرئيس الامريكي ووزير دفاعه يوحي على رغم ذلك كله بانهما يسعيان الى التوصل الى تسوية سياسية للازمة في العراق..
لاسباب تتراوح بين الحفاظ على المستقبل السياسي للحزب الجمهوري .. والتحديات التي تواجهها السياسة الامريكية في المنطقة والمتعلقة بالملف النووي الايراني واحتمالات نشوب مواجهة مسلحة بين امريكا وايران مستقبلا بسبب برنامج الاخيرة النووي .. وهذه المواجهة ان حدثت ولو في عهد رئيس امريكي اخر غير الرئيس الحالي ستكون لحسابات »اسرائيلية« قبل ان تكون لحسابات امريكية .. واكدت تلك الاوساط ان وزيرة الخاريجية الامريكية ستقوم بزيارة في وقت لاحق الى بغداد .. وربما ستعرض معادلة انسحاب القوات العسكرية الامريكية من العراق تدريجيا .. مع حصولها من تيارات سياسية عراقية فاعلة في الحياة العراقية السياسية وتملك تأثير على المقاومة العراقية على ضمانات .. بعدم مهاجمة القوات الامريكية .. وهو امر لايمكن ان تحصل عليه الادارة الامريكية وسط التناقضات التي عليها .. وحالة الارباك التي عليها حكومة المالكي .. وقد رفض وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد اي تعديل على خططه العسكرية بالعراق وقال انه ليس من عادة واشنطن مفاوضة طرف ضعيف لايشكل قو استراتيجية .. وكان وزير الدفاع الامريكي اصدر الاسبوع الماضي اوامره .. من وزارة الدفاع الامريكية »البنتاغون« باستدعاء احتياطي قوات مشاة البحرية الامريكية »المارينز« لارسالهم للعراق لدعم القوات الامريكية هناك .. بهدف السيطرة على الوضع الامني المتدهور .. وقال رامسفيلد ان الحرب على العراق لم تكن رحلة سهلة ولانزهة .
على كل حال .. فان ثمة مغزى اخر يتبادر الى الذهن ويتلخص في التساؤل عن ماهية الدوافع التي تجعل اركان الادارة الامريكية يظهرون في كل مرة بمفاجئة جديدة حول الوضع في العراق ويعترفون باخطاء تقديراتهم ثم يتراجعون عما قالوا بسرعة ؟ .. هل الخوف من عواقب انهيارامريكي وشيك في العراق ؟! ام هناك امراً ما يجرى »طبخه« على نار هادئة ؟!
الاجابة ليست سهلة .. وخصوصا وان الادارة الامريكية الحالية تبدو حازمة في القول .. ان الرغبة في تفادي ويلات الحرب لن تجعلها تحيد في اي صورة من الصور عن مشروعها في مكافحة الارهاب وتحقيق النصر النهائي عليه بالعراق مهما كلف الامر .
وفي غياب استعداد الادارة الامريكية واركانها لتقديم »هدية« او »وعد« للشعب الامريكي بوقف الحرب في العراق ووضع جدول زمني لسحب القوات الامريكية من العراق .. والتراجع عن مواقفها المعلنة .. فان الشعب الامريكي سيسجل في انتخابات الكونغرس القادمة كلمة الفصل الاخيرة للمواقف المتضارية في السياسة الامريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين .. فهل ثمة فرصة فعلية في ما يسمي »الفرصة الاخيرة« امام الجمهوريين لحث ادارتهم على وضع جدول للانسحاب من العراق والحفاظ على اغلبيتهم في السيطرة على القرار السياسي في الكونغرس ؟! ام ان الايام المقبلة ستكشف مقدار الخطأ في السياسة الامريكية المتبعة في العراق .. ويعمل الشعب الامريكي على اغتنام فرصة تغييرها .
المصــدر: صحيفة الشـمــس