أيهما أخطر على العرب
أيهما أخطر على العرب:
"اسرائيل" وأمريكا؟ أم إيران؟
(1 - 3)
صلاح المختار
مقدمة
ثمة ظاهرة واضحة وهي أن الكثير من العرب الداعمين لإيران شرعوا بنقد موقفها تجاه العراق واعتباره خاطئا ومطالبتها بتصحيحه، بإيقاف التعاون مع أمريكا في العراق ودعم المقاومة العراقية ! هذا الموقف، إذا استثنينا بعض الأفراد، هو نتاج توجيه إيراني تم تعميمه بطرق مموهة على من يدعم إيران غالبا، يقضي بضرورة نقد سياسة إيران في العراق بشرط أن يتم في إطار تأكيد أن إيران مناهضة لأمريكا و"اسرائيل" في خطها العام، وان موقفها في العراق استثناء من القاعدة ! ومن الواضح أن هذا التوجيه الإيراني يهدف إلى المحافظة على نفوذها على بعض العرب الذين اكتشفوا، بالأدلة التي لا تدحض، إن إيران شريك أساسي لأمريكا في غزو وتدمير العراق، فضعف دعمهم لإيران وقلت قدرتهم على الدفاع عن سياسة لا يمكن الدفاع عنها بالنسبة لمن يحترم نفسه ووطنيته وعروبته. كما أن البعض الآخر انقلب على إيران وأصبح مناهضا لها بعد أن اكتشف أن السياسة الإيرانية تحركها مصالحها القومية وليس الإسلام أو مناهضة الاستعمار والصهيونية.
من هنا فأن نقد إيران المنضبط ضرورة أساسية لمنع مناصريها من التعرض للعزلة التامة في أوساطهم، من جهة، ووسيلة للمحافظة على من تبقى داعما لها من جهة ثانية. ومن المفارقات اللافتة للنظر أن هذا التوجيه الإيراني يشبه كثيرا التوجيه الأمريكي لعملائها العرب الذين وجدوا أنفسهم معزولين تماما عن الرأي العام العربي ويواجهون الاحتقار والتحقير، أينما اتجهوا، بسبب دعمهم للسياسة الأمريكية في العراق وفلسطين وغيرهما، فطلبت منهم مهاجمتها بشرط أن يقترن ذلك بمهاجمة البعث والمقاومة العراقية!
الموقف العراقي المبدئي
للتذكير بأن عراق البعث كان يمارس أقصى حالات الشعور بالمسؤولية تجاه وحدة المسلمين، مهما كانت خلافاتهم عميقة ومدمرة، يحب أن نشير إلى حادثة لها دلالات عميقة تعبر عن موقف العراق الحر، فبعد أن قصفت إيران، أثناء الحرب الإيرانية - العراقية، بصاروخ متوسط المدى مدرسة بلاط الشهداء، في حي الدورة المجاهد، وذهب ضحية ذلك أكثر من 30 طفل شهيد (هناك تشابه لافت للنظر وهو أن نفس الحي يتعرض منذ الغزو الأمريكي للعراق لحملات إيرانية منظمة، يشنها "فيلقي بدر والصدر" بدعم أمريكي، يذهب ضحيتها أسبوعيا عشرات العراقيين من أبنائه)، قام الرئيس الشهيد صدام حسين بزيارة لحضانة أطفال وسأل طفل : من هو عدونا؟ فأجاب الطفل بعفوية: إنها إيران التي قتلت أطفالنا، فرد الرئيس مصححا: كلا يا بني، إيران ليست عدونا بل "اسرائيل" هي العدو، هذه الحادثة معروفة للعراقيين وربما يعرفها بعض العرب، وهي تلخص مأساة جيرتنا الأبدية لإيران، لأنها تقدم صورة بالغة الوضوح لحراجة وازدواجية وتعقيد علاقتنا بإيران، فالعاطفة الجياشة بسبب قتل آلاف العراقيين أثناء حرب فرضها خميني على العراق وإيران فرضا تدفع العراقيين للنظر إلى إيران كعدو واقعي، وقاعدة دعم هذه العاطفة هو السؤال المنطقي التالي: وهل يقتل الصديق صديقه ؟ ولكن العقل والواقعية والخبرة تقول كلا إن العدو الحقيقي هو "اسرائيل"، لأن إيران بلد فرضته الجغرافية بمجاورته لنا، وزرع التاريخ في أرحامنا صلات الجيرة والتعامل والتفاعل، وجاء الإسلام ليعزز كل ذلك، فأصبحنا نتعامل مع جار كبير يمثل في أن واحد مصدر تحديات متكررة، لان الإسلام لم يجتث جذور الصراعات السابقة له بين بلاد فارس وبلاد الرافدين والتي تعود لآلاف السنين، ومصدر ثراء حضاري وإنساني حينما تتغلب نزعة التعايش بيننا.
ولكن ما حصل منذ غزو العراق لم يعد يحتمل أي تفسير تساومي ترقيعي للموقف الإيراني الخطير في العراق وتجاه الأمة العربية، فما توفر من أدلة ومؤشرات واقعية أكبر من أن يقنع بأن إيران صديقة للعرب. وابتداءا يجب أن نوضح بأننا حينما نقول إيران فنحن نشير إلى النخبة الفارسية الشوفينية المتحكمة فيها منذ آلاف السنين وليس إلى الشعب الإيراني، علينا أن نجيب على الأسئلة التالية بمنتهى الدقة والموضوعية لتجنب نتيجتين: نتيجة أن نقع في خطأ منع حل مشاكلنا مع إيران بالتفاوض والحوار إذا أبدت الاستعداد لذلك، ونتيجة أن نهمل دلالات سياسات إيران العدائية تجاه العراق، بشكل خاص، فنقع في فخ تقسيم إيران لوطننا العربي انطلاقا من العراق والخليج العربي، وعندها ستصبح كارثة فلسطين هي الأقل مأساوية في وطننا العربي.
إن أهم الأسئلة هي التالية: هل إيران دولة معادية؟ ما معنى العداء؟ وما هي تعبيراته؟ ومن هو العدو؟ وما هي درجة العداء الإيراني للأمة العربية؟ هل هو بمستوى العداء "الاسرائيلي" والأمريكي؟ وما هي مقاييس العداء والصداقة؟ وهل لإيران مطامح إمبراطورية مهما كانت تسميتها (إسلامية أو فارسية) تجعل من الوطن العربي جزء خاضعا لها؟ وما هي الأعمال الإيرانية التي تضعها في موقع العداء للأمة العربية؟ وهل إيران تتبع سياسة مناهضة لأمريكا و"اسرائيل"؟ وإذا افترضنا ولأغراض النقاش أن الجواب هو نعم، هل يسمح هذا لنا بأن نسكت على تدميرها لهويتنا ووطننا لمجرد أن لها صراعا مع أمريكا و"اسرائيل" لمصلحتها هي وليس لمصلحة فلسطين أو العرب؟ ما الذي فعلته إيران في العراق والخليج العربي وبقية أقطار الوطن العربي؟ وهل ما قامت به يختلف من حيث الجوهر عما فعلته وتفعله "اسرائيل" وأمريكا بالعرب؟ وما الذي فعلته "اسرائيل" وأمريكا ولم تفعله إيران بنا؟ وإذا ثبت أن إيران تقوم بارتكاب جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم أمريكا و"اسرائيل" ماذا يجب أن نطلق عليها من وصف يحدد صلتها بنا كعرب؟ وهل نحن ضد "اسرائيل" لأنها يهودية؟ أم لأنها قامت على أساس استعمار فلسطين وطرد الفلسطينيين من وطنهم؟ هذه هي الأسئلة الأساسية، ومنها ستتفرع الكثير من الأسئلة في سياق عرض وتحليل الموقف الإيراني وطبيعة السياسة الإيراني.
حتى لو كانت إيران دولة ملائكة
لنبدأ من أصل الوهم وهو الاعتقاد بأن إيران تعادي أمريكا و"اسرائيل"، وهو منطق من يدافعون عنها وحجتهم الأساسية، والذي سنثبت أنه غير صحيح، لذلك لا يجوز معاداتها أو مهاجمتها أو وضعها في صف واحد مع أمريكا و"اسرائيل"، قبل أن نمزق هذا المنطق الساذج أو المتساذج إربا إربا، يجب أن نبدأ من الحد الأعلى للصواب والقداسة وهو افتراض أن إيران تحكمها جماعة من الملائكة وليس من رعاع الملالي المتعطشين للدماء كما أثبتت تجربة العراق، وأن هؤلاء الملائكة، ورغم أنهم ملائكة، يحاولون غزو وطني وجعلي مواطن من الدرجة الثانية أو على الأقل تابع لملاك أجنبي، فهل سأقبل بالعبودية لملاك؟ وما الفرق بين العبودية لملاك والعبودية لشيطان؟ بالتأكيد لا، لأن الإسلام هو دين الحرية والمساواة، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟ ألم يقل سبحانه وتعالى (وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أفضلكم عند الله أتقاكم)؟ إن الإسلام لم يخلق الملائكة لتغزو ولا لتعتدي أو تقسم وتظلم بل خلقها لعمل الخير، وأول عمل الخير هو احترام الآخرين وعدم الطمع في أرضهم ومياههم وثرواتهم، ناهيك عن تحليل قتلهم واستعبادهم. لذلك فان الملاك اذا اعتدى واحتل يعامل في السياسة الدفاعية، وهي سياسة مشروعة دينيا ومنطقيا وشرعيا وأخلاقيا، مثلما يعامل الشيطان.
لو كانت إيران تحكم من قبل الملائكة وحاربت أمريكا و"اسرائيل" ألف مرة، ثم حاولت غزو العراق وأي قطر عربي، أو شاركت في ذلك، لحملت السلاح ضد دولة الملائكة وقاتلتها حتى تحرير أي قطر عربي أو منع احتلاله، إذن دعونا من الاسطوانة التي أصبحت مشروخة بعد احتلال العراق وهي (أن إيران معادية لأمريكا و"اسرائيل" ولذلك لا يجوز أن نعاملها كعدو خطير، وأن نحاول نصحها للتوقف عن أعمالها الخاطئة)! كما يقول من يدافع عن إيران من العرب، من حقنا كعرب أن ندافع عن هويتنا العربية ووطننا ومصالحنا، وإذا اعتدت علي إيران، أو دولة ملائكة ستهبط من السماء، فأنني لن أقف مكتوف اليدين بل سأدافع عن نفسي مستخدما أول حق لأي حيوان خلق على وجه الأرض وحلله الله والقانون والمنطق وهو حق الدفاع عن النفس، وحق الدفاع عن النفس مشروع مادام هدفه دفاعي لحماية الوجود من العدوان، فإذا كنا نحارب دولة ملائكة تعتدي علينا فهل نتسامح ونتساهل مع دولة، هي إيران، خاضت معنا عشرات الحروب وغزتنا مرارا، عبر أكثر من خمسة آلاف عام، ولها مطامع توسعية في أرضنا واحتلت بعضها ومازالت تحتلها، ولها معنا ثأرات جديدة، ثأر هزيمة مشروعها التوسعي وهو غزو الوطن العربي والعالم الإسلامي تحت شعار مضلل هو (نشر الثورة الإسلامية)، أيام خميني، بفضل بطولات العراقيين وتضحياتهم العظيمة، وثأرات قديمة أبرزها الفتح الإسلامي الذي دمر دولة المجوس، فاقسموا على الانتقام من العرب ومن الإسلام الذي أطفأ نار المجوس؟
ولو أن إيران خاضت ألف حرب مع "اسرائيل" وأمريكا، وكانت كل هذه الحروب جدية وحقيقية، فأنا كإنسان عربي سأدافع عن نفسي وعن وطني وعن هويتي العربية حينما يأتيني إيراني ويريد أن يحتل وطني تحت أي شعار، وفي هذه الحالة الافتراضية (أي افتراض أن إيران تحكمها الملائكة) سيكون غباء مفرطا أن لا أسأل نفسي بصوت عال: إيران التي تقتلني في العراق وتريد تقسيم العراق هل تختلف مع أمريكا و"اسرائيل" لمصلحة العرب في فلسطين أم لمصلحتها القومية هي؟ وما هي المصلحة الإيرانية في قتل العراقيين وتقسيم وطنهم إذا كان ادعاءها بأنها تدافع عن فلسطين صحيحا؟ هذه بديهية يجب الانتهاء منها قبل أي كلام، لأن الدم يتدفق من أفواهنا ونحن نتحدث عن إيران وجرائم إيران في العراق، والجرائم الأخطر لإيران التي تنتظر بقية العرب إذا لم يفيقوا قبل فوات الأوان.
هنا يجب أن نزيل الأوهام بالالتصاق بالواقع المعاش وليس بالفرضيات الساذجة المبنية على الجهل، أو الأوهام المصدرة قصدا والتي يروجها أشخاص ارتبطوا مصلحيا بالمشروع الإيراني التوسعي، ولتسهيل الأمر سنطرح الموضوع بصيغة الأسئلة والأجوبة لأنها تسهل تصنيف المواضيع وترتيبها وتوضيحها، كما أننا سنطرح بعض الأسئلة ونترك الجواب عليها للقارئ.
هل النظام الإيراني إسلامي
لو كان نظام إيران إسلاميا حقا لتفهمنا (وليس قبلنا) دعم بعض العرب لإيران، ولكن النظام يتميز بالعنصرية والطائفية السياسية، وحتمية تبعية من يوالي إيران لمرجعيتها الدينية، وهنا سنناقش ما ورد في الدستور الإيراني لإثبات أن إيران تعمل وفقا لمصالحها القومية وليس وفقا لمذهب أو دين، كما سنتناول الممارسات الفعلية لإيران لنصل إلى استنتاج حاسم وهو أنها دولة قومية صرفة تستخدم الدين والطائفة لخدمة الهدف القومي.
في مقدمة الدستور الإيراني وفي فقرة (أسلوب الحكم في الإسلام) ترد العبارة التالية: (ومع الالتفات لمحتوي الثورة الإسلامية في إيران – التي كانت حركة تستهدف النصر لجميع المستضعفين علي المستكبرين - فإن الدستور يعدّ الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلائق الدولية مع سائر الحركات الإسلاميّة والشعبيّة حيث يسعي إلى بناء الأمة الواحدة في العالم ((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)) ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم.)، في هذه الفقرة الدستور الإيراني دستور توسعي يسعى رسميا لاستمرار (الثورة وتوسعها في الخارج لأجل بناء الأمة الواحدة في العالم)! فهو مشروع إمبراطورية كونية، وفي فقرة الجيش العقائدي يقول الدستور (في مجال بناء القوات المسلحة للبلاد وتجهيزها، يتركز الاهتمام على جعل الإيمان والعقيدة أساساً وقاعدة لذلك، وهكذا يصار إلى جعل بنية جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة على أساس الهدف المذكور ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم). إذن إيران تعد جيشها لبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم، والحاكمية طبعا تمثلها النخب الإيرانية الفارسية. وفي فقرة النواب ترد الفقرة التالية (على أمل أن يكون هذا القرن قرن تحقق الحكومة العالمية للمستضعفين وهزيمة المستكبرين كافة)، حينما وضع الدستور في القرن الماضي كان توقع ملالي إيران هو أن تكتسح جيوشهم ودعوتهم العالم كله فتقوم الحكومة العالمية! وفي المادة 3 نفسها الفقرة 16 تقول: (تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم)، هنا تلتزم إيران بحماية جميع مستضعفي العالم، بمعنى أنها تتدخل في كل دولة تعتقد هي أن هناك من يتعرض للاضطهاد! والسؤال هنا هو ما هو المعيار الذي يجعل من إيران تقرر وقوع الاضطهاد على هذا أو ذاك؟ وكيف تتدخل؟ عسكريا؟ أم قانونيا؟ وبأي حق تتدخل والعالم عالم سيادات تتمسك هي فيه بسيادتها كما يعبر الدستور الإيراني مرارا؟
في الفقرات السابقة تأكيد على عالمية أهداف إيران وبناء حكومة عالمية باستخدام الجيش الإيراني والوسائل الأخرى، لكن في المادة 3 الفقرة 11 تبدأ الأصول القومية بالظهور فتقول (تقوية بنية الدفاع الوطني بصورة كاملة، عن طريق التدريب العسكري لجميع الأفراد، من أجل حفظ الاستقلال ووحدة أراضي البلاد والحفاظ على النظام الإسلامي للبلاد)، إذن هناك وطنية وهناك استقلال وهناك وحدة ارضي البلاد! والسؤال هنا هو: كيف تريد إيران بجيشها وقيادتها إقامة إمبراطورية عالمية وحكومة عالمية مع أنها تتمسك بالوطنية والاستقلال ووحدة الأراضي الإيرانية؟ أليس للدول الأخرى نفس الحقوق؟ ألا يتعارض ذلك مع تساوي حقوق الأمم وهو أبرز مظاهر العدالة؟ وتقول (المادة التاسعة): (في جمهورية إيران الإسلامية، تعتبر الحرية والاستقلال ووحدة أراضي البلاد و سلامتها أموراً غير قابلة للتجزئة، وتكون المحافظة عليها من مسؤولية الحكومة وجميع أفراد الشعب، ولا يحق لأي فرد أو مجموعة أو أي مسؤول أن يلحق أدني ضرر بالاستقلال السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو العسكري لإيران أو ينال من وحدة أراضي البلاد باستغلال الحرية الممنوحة). مرة أخرى تبرز الروح القومية الثابتة في الدستور، وتتحدد الطبيعة الطائفية للنظام الإيراني في المادة 12 التي تقول (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير). هذه المادة تؤسس لفتنة طائفية بين المسلمين، فإذا كان هدف إيران إقامة حكومة عالمية فأن مذهبها الأبدي يجب أن يكون مذهب الحكومة العالمية الإسلامية، مع أن الأغلبية في العالم الإسلامي سنية! فكيف سيحل هذا الإشكال؟ هل باستخدام القوة كما نلاحظ في العراق؟ أم بحرمان الطوائف الإسلامية الأخرى من حقوقها كما تؤكد تجربة إيران التي تمنع السنة من إقامة المساجد رغم النص في هذه المادة على العكس؟ وتزداد النزعة القومية وضوحا في (المادة السادسة والعشرون) حيث تقول بصراحة تامة: (الأحزاب، والجمعيات، والهيئات السياسية، والاتحادات المهنية، والهيئات الإسلامية، والأقليات الدينية المعترف بها، تتمتع بالحرية بشرط أن لا تناقض أسس الاستقلال، والحرية، والوحدة الوطنية، والقيم الإسلامية، وأساس الجمهورية الإسلامية، كما أنه لا يمكن منع أي شخص من الاشتراك فيها، أو إجباره على الاشتراك في إحداها)، هذه المادة تنطوي على معنى واضح وهو أن من يؤسس حزبا أو هيئة أو اتحاد لا يجوز له التعامل مع أجنبي بما يهدد الاستقلال والوحدة الوطنية، ومن البديهي أنها تتناقض مع إصرار الدستور الإيراني على نشر (الثورة الإيرانية) ومنح إيران حق التدخل، فكيف تعطي لنفسها حق التدخل في كل مكان بإنشاء تنظيمات تابعة لها وتمنع مواطنيها من تهديد الاستقلال والوحدة الوطنية عن طريق واضح وهو التعاون مع الأجنبي؟
وفي المادة الثامنة والسبعون تتعزز النزعة القومية حيث تقول : (يحظر إدخال أي تغيير في الخطوط الحدودية سوي التغييرات الجزئية مع مراعاة مصالح البلاد و بشرط أن تتم التغييرات بصورة متقابلة، وأن لا تضر باستقلال و وحدة أراضي البلاد، وأن يصادق عليها أربعة أخماس عدد النواب في مجلس الشورى الإسلامي)، من المفيد ملاحظة أن حدود إيران كلها مع دول إسلامية، ولذلك فأن المعيار الوطني في هذه الفقرة يتغلب على المعيار الإسلامي، وتضيق الحلقة في الدستور باشتراط أن كل القوانين والتشريعات التي يتبناها مجلس الشورى يجب أن لا تتعارض مع المذهب الرسمي، أي المذهب الاثنا عشري كما ورد في المادة الخامسة والثمانون!
وفي (المادة التاسعة بعد المئة) تحدد (الشروط اللازم توفرها في القائد وصفاته هي:
1 - الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه.
2 - العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.
الرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير والشجاعة، والقدرة الكافية للقيادة، وعند تعدد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة يفضل من كان منهم حائزا علي رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره)، وطبقا لهذه المادة فأن القائد أو المرشد هو قائد كل الأمة الإسلامية وليس إيران فقط، ومن ثم على الجميع إتباعه داخل وخارج إيران، وعند تحديد شروط رئيس الجمهورية تتضح الطبيعة القومية المتعصبة: تقول المادة الخامس عشرة بعد المئة: (ينتخب رئيس الجمهورية من بين الرجال المتدينين السياسيين الذين تتوفر فيهم الشروط التالية:
3 - أن يكون إيراني الأصل و يحمل الجنسية الإيرانية.
4 - قديراً في مجالس الإدارة والتدبير.
5 - ذا ماض جيد.
6 - تتوفر فيه الأمانة والتقوى.
7 - مؤمناً ومعتقداً بمباديء جمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد).
الفقرة (3) تنص على أن يكون إيراني الأصل وليس إيرانيا اكتسب الجنسية فقط، وهذه الفقرة تميز بين إيراني من أصل إيراني وآخر من أصل غير إيراني. بمعنى آخر أن الإيراني من أصل عراقي مثلا لا يحق له أن يرشح لرئاسة الجمهورية، وهذا الأمر كان أول ضحية له بعد سقوط الشاه وانتخاب رئيس جمهورية هو جلال الدين فارسي، وكان من أقرب الناس لخميني وهو الذي أراد ترشيحه للرئاسة ولم ينافسه أحد على هذا الترشيح، وكان فوزه مضمونا لهذا السبب، ولكن حينما أخبر خميني بأنه من أصل أذربيجاني أي تركي طلب منه خميني الانسحاب من الترشيح ورشح محله أبو الحسن بني صدر! وهذه الحادثة مهمة جداً لأنها تكشف التعصب القومي لدى الملالي.
وفي قسم رئيس الجمهورية تتكرر ظاهرة النزعة القومية والدفاع عن المذهب والتمسك به فتقول المادة الحادية والعشرون بعد المئة:
يؤدي رئيس الجمهورية اليمين التالية، وتوقع على ورقة القسم، في مجلس الشورى الإسلامي في جلسة يحضرها رئيس السلطة القضائية وأعضاء مجلس صيانة الدستور:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنني باعتباري رئيساً للجمهورية أقسم بالله القادر المتعال في حضرة القرآن الكريم، وأمام الشعب الإيراني أن أكون حامياً للمذهب الرسمي، ولنظام الجمهورية الإسلامية، وللدستور، وأن استخدم مواهبي وإمكانياتي كافة في سبيل أداء المسؤوليات التي في عهدتي، وأن أجعل نفسي وقفاً على خدمة الشعب ورفعة البلاد، ونشر الدين والأخلاق، ومساندة الحق وبسط العدالة، وأن أحترز عن أي شكل من أشكال الديكتاتورية، وأن أدافع عن حرية الأشخاص وحرماتهم، والحقوق التي ضمنها الدستور للشعب، ولا أقصر في بذل أي جهد في سبيل حراسة الحدود، والاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي للبلاد، وأن أعمل كالأمين المضحي على صيانة السلطة التي أودعها الشعب عندي وديعة مقدسة مستعيناً بالله متبعاً لنبي الإسلام والأئمة الأطهار (ع) وأن أسلمها لمن ينتخبه الشعب من بعدي)،
يلاحظ في هذا القسم أن أول ما يلزم به هو حماية المذهب حتى قبل حماية البلاد! وبعد حماية المذهب تأتي وظيفة حماية الحدود والاستقلال! كم هي واضحة غلبة المذهب على ما عداه؟
وتتكرر ثنائية الحرص على استقلالية إيران وحقها في التدخل في شؤون الدول الأخرى، في الفصل العاشر السياسة الخارجية، تقول المادة الثانية والخمسون بعد المئة:
(تقوم السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية على أساس الامتناع عن أي نوع من أنواع التسلط أو الخضوع له، والمحافظة على الاستقلال الكامل، ووحدة أراضي البلاد، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الانحياز مقابل القوى المتسلطة، وتبادل العلائق السلمية مع الدول غير المحاربة)، كيف ينسجم منطق المحافظة على الاستقلال الكامل للبلاد مع الدفاع عن جميع المسلمين في العالم؟ ويتكرر الأمر ذاته في المادة الرابعة والخمسون بعد المئة التي تقول:
(تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال، والحرية، وإقامة حكومةالحق والعدل حقاً لجميع الناس في أرجاءالعالم كافة، وعليه فأن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى).
هذه الفقرات المأخوذة من الدستور الإيراني تؤكد قبل كل شيء أربعة حقائق:
1 – حقيقة أن إيران رغم إطلاق وصف الإسلامية عليها هي جمهورية قومية وليس إسلامية.
2 – أن هذه الجمهورية تقزم الإسلام باختصاره في المذهب الجعفري وتعد هذه المادة من المواد التي لا تقبل التغيير ولا يتم تبني قانون إذ تعارض مع المذهب.
3 – أن من حق إيران رغم أنها جمهورية قومية أن تتدخل في شؤون كل الدول في العالم بكافة الوسائل العسكرية وغيرها بحجة الدفاع عن المستضعفين لكنها لا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية هي.
4 – تسعى جمهورية إيران إلى إقامة حكومة عالمية بزعامتها وعلى شاكلة نظامها الحالي.
ولكن هل ما ورد في الدستور هو حبر على ورق فقط أم أنه انعكاس لقناعات وسلوك عملي؟
مظاهر أخرى لقومية النظام الإيراني والخمينية
لئن كان الدستور الإيراني الحالي يقدم صورة كافية للطابع القومي للدولة الإيرانية، وللنظام الإيراني، فأن الأدلة الأخرى الموجودة في ممارسات إيران في ظل نظام الملالي تثبت أنه نظام قومي ويستخدم الدين والطائفة غطاء للتمويه والخداع، ولعل أهم نقطة في هذا السياق هي أن العامل المشترك بين نظام الشاه القومي ونظام الملالي المتستر بالدين هو أنهما كلاهما غزيا أراض عربية ورفضا إعادتها للعرب، وأنهما كلاهما يعمل لتوسيع حدود إيران على حساب العرب أولاً، عندما حضرته الوفاة أوصى الشاه رضا ابنه محمدا قائلا (لقد استعدت السيطرة على الضفة الشرقية للخليج - يقصد الأحواز العربية - وعليك أن تستعيد الضفة الغربية)، والضفة الغربية هي دول الخليج العربي، وبالفعل احتل الشاه الجزر العربية الثلاثة التابعة لدولة الإمارات العربية ورفض إعادتها، وكان مشروعه القومي المعلن هو الاستيلاء على الضفة الغربية للخليج العربي، وطالب بالبحرين سلميا، أولاً، تمهيدا لغزوها، وقبل الشاه رضا شرعت إيران الصفوية وبشكل منظم بتهجير مواطنيها للخليج العربي تدريجيا ليصبحوا بمرور الزمن مواطنين في دوله، تمهيدا للسيطرة عليه ديموغرافيا وديموقراطيا، وكل سكان الخليج العربي من ذوي الأصول الإيرانية هم ثمرة هذا التهجير المنظم من قبل إيران في مختلف العهود.
وهناك سؤال يتناساه كثير من الوطنيين العرب وهو: هل من المنطق القومي والقانوني والأخلاقي الحديث عن ايجابية موقف إيران من القضية الفلسطينية وهي تحتل الأحواز التي تضم ثمانية ملايين عربي، أي أكثر من الشعب الفلسطيني، وهي أكبر جغرافيا من فلسطين وفيها ثروات، مثل النفط والماء، هي أهم الثروات التي تقوم عليها إيران حاليا؟
نحن نعتقد بأن من يحتل الأحواز هو كمن يحتل فلسطين، لأن الاحتلال هو احتلال مهما كانت هوية الدولة التي تقوم به، ولا يوجد إنسان سليم العقل والتفكير يميز بين احتلال واحتلال من حيث الجوهر، وبغض النظر عن تسميته سواء كانت دينية أو قوميته، ومن يساهم في احتلال العراق وتدميره هو مستعمر معتد سواء كانت جنسيته بريطانية أو أمريكية أو إيرانية، فالاحتلال هو احتلال في نهاية المطاف، ولكن الغريب أن من يصر على تسمية ما حدث للكويت بـ(الاحتلال العراقي) هو نفسه من يرفض الاعتراف بأن إيران دولة محتلة وتوسعية، وتفرض إرادتها الاستعمارية على أجزاء من الوطن العربي وتريد علنا ورسميا فرض إرادتها واستعمارها على الوطن العربي والعالم الإسلامي بل والعالم أجمع!
واستناداً لما تقدم ولأجل تحفيز الذهن على التفكير بصواب وبعد التحرر من أنماط التفكير الذي ساد وخيل للكثيرين أن سيادته تعني مشروعيته وصوابه، علينا أن نطرح مجموعة أسئلة أخرى منها: هل الإنسان الفلسطيني أغلى من الإنسان العربي في الأحواز والعراق مع أننا قوميين وإسلاميين نساوي قيمة كل العربي مع العربي الآخر والمسلم مع المسلم الآخر؟ وهل أرض فلسطين أغلى من أرض العراق مع أننا كقوميين وكإسلاميين نساوي في قيمة الأرض العربية والإسلامية أينما كانت جغرافيتها؟ وهل عروبة فلسطين تختلف عن عروبة البحرين والإمارات كي ندافع عن فلسطين ونغض النظر عن تفريس البحرين والإمارات والعراق؟ وهل الصهينة أقل خطراً من التفريس الذي يتعرض له الأحوازيون منذ ضمهم بقوة بريطانيا إلى إيران في العشرينيات من القرن العشرين، أي قبل أن تحتل فلسطين؟ إن تغيير الهوية القومية والدينية لأي بشر بالقوة هو عمل مدان بغض النظر عمن يقوم به، فلماذا نلعن "اسرائيل" نتيجة الصهينة ونصفق لإيران رغم أنها تفرس أجزاء من وطننا، على نحو منهجي مشابه بل ويطابق الصهينة؟ وهل العنصرية الصهيونية أكثر إيذاء من العنصرية الفارسية التي دمرت الدولة العربية الإسلامية، في العهدين الأموي والعباسي، وتحاول الآن تفريس الوطن العربي تحت غطاء نشر التشيع الصفوي، مع أن العنصرية مذمومة ملعونة كائن من كان مروجها؟ لماذا يصفق البعض لإيران عندما تشتم "اسرائيل" لكنهم يضعون ألسنتهم في علب خصصت للنظارات الطبية عندما يأتي ذكر الجزر العربية الثلاثة والأحواز التي تحتلها إيران والغزو الإيراني الحالي للعراق؟
وإذا أردنا أن نعود لأصل تفجير المشاكل بين العرب وإيران في زمن الملالي علينا أن نطرح أيضا الأسئلة التالية: ما معنى ونتائج شعار خميني الأول وهو المسمى (تصدير الثورة الإسلامية) إلى أقطار هي بالأصل والواقع إسلامية؟ أن معناه الأساسي هو السيطرة عليها لصالح الأمة الإيرانية باسم الإسلام وهذا ما أكده الدستور الإيراني، وما معنى إصرار خميني على إسقاط النظام الوطني في العراق تحت شعار (إن تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد)؟ ولماذا قال خميني إن إسقاط صدام حسين بعد إسقاط الشاه واجب ديني، مع أن العراق لم يكن قد بادر بالعداء لإيران الجديدة بل كان أول المعترفين بنظامها وأول المهنئين بنجاح التغيير فيها؟ ولسوء حظ نظام الملالي فأن هذا الشعار قد كشفت حقيقته حينما قال كيسنجر علنا بـ(إن حل مشكلة القدس يمر عبر إسقاط صدام حسين)! وهكذا تطابقت حتى شعارات إيران الملالي مع شعارات "اسرائيل" وحماتها!
هل نسينا أن خميني المسلم هو من أصر على فرض الحرب مع العراق بسبب تمسكه التام بأن شط العرب ومناطق حدودية هي جزء من إيران؟ هل نسينا أن إيران لم تتخلى عن مطالبتها بالتعويض بعد الغزو، رغم أنها كانت تقول أن خلافها هو مع البعث وصدام حسين وليس مع شعب العراق المسلم، ولكن بعد إسقاط النظام الوطني تمسكت إيران بدفع العراق (الجديد) التعويضات التي تظن أنها تستحقها؟ هل نسيتم أن الحكيم، وهو إيراني الأصل، قد طالب بدفع العراق تعويضات تبلغ أكثر من مائة مليار دولار لإيران؟ إذا كانت إيران إسلامية لم تتمسك بالحدود والمسائل المالية مع المسلمين الآخرين، خصوصا وأنها ليست حقوقا إيرانية ثابتة بل هي موضوع خلافات عميقة وقديمة، أبدى الشاه محمد رضا بهلوي القومي الفارسي المتعصب، مرونة فيها أدت إلى توقيع (اتفاقية الجزائر) مع العراق، والتي رفضها خميني حينما وصل للسلطة بحجة أنها من صنع الشاه، كما قال! لو كانت إيران دولة دينية إسلامية حقا أليس أول مظاهر ذلك، وأهم إثباتاته، هو عدم إصرارها على خلق مشاكل مع العرب المسلمين حول الحدود والأراضي والمياه والأقاليم؟
لماذا تظن إيران خميني كإيران الشاه بأن لها الحق في فرض خياراتها علينا، الأولى باسم الإسلام الطائفي والثانية باسم التوسع الفارسي القومي؟ أليس من حق العرب أن يختاروا أنظمتهم دون وصاية إيرانية أياً كان غطاءها؟
من لديه سياسات عدوانية توسعية العرب أم ايران؟
وهناك مسألة مهمة جدا توضح مسالك الدرب إلى لغمته إيران عمدا: وهي من بدأ ويبدأ المشاكل بين العرب والإيرانيين؟ العرب أم الفرس؟ إن أهم أسباب الخلافات العربية الإيرانية هي الجاليات الإيرانية في الوطن العربي والحدود والمياه والطائفية والتدخل في الشؤون العربية من قبل إيران، وفي كل هذه القضايا إيران هي المهاجمة والعرب هم المدافعون، فإيران وليس العرب هي التي تصدر العمالة الإيرانية للخليج العربي والعراق منذ قرون، خصوصا بعد ظهور النفط، وتؤسس لها مواطئ قدم وتحولهم إلى مواطنين فظهرت مشاكل البحرين وغيرها، وإيران هي التي تطالب بالحدود والمياه وليس العرب، وإيران هي التي تخلق المشاكل الطائفية وليس العرب، والعرب ليس لديهم مشروع توسعي في إيران، بينما إيران لها هكذا مشروع وهو معلن ورسمي وتبنته كافة الحكومات الإيرانية، ويقوم على نشر التشيع الصفوي واعتبار الحكم العربي منذ 1400 عام حكما اغتصب منهم لذلك عليهم إعادته بنشر الصفوية.
وهناك مسألة جوهرية وهي التي تتلخص في السؤال: من يرفض التصالح والتفاهم العرب أم إيران؟ من المستحيل العثور على دليل واحد يثبت بأن العرب كلهم كانوا البادئين بأي مشكلة مع إيران أو باستفزازها، فهي دائما كانت المبادر بالعمل ضد المصالح العربية، فالأحواز احتلتها في زمن رضا بهلوي بمساعدة الاستعمار البريطاني، وهي التي تطالب بالبحرين، وهي التي احتلت الجزر العربية الثلاث، وهي التي تزرع مواطنيها في الخليج وتعمل على تفريسه، وهي التي لديها حركة تبشيرية صفوية علنية ورسمية ترصد لها مليارات الدولارات وليس العرب، وهي التي تصر على التمسك بما تعده حقها في الحدود، وهي التي تتحدث باستمرار عن عائدية عرب الخليج والعراق لها!
ربما يقول البعض هذا ما كان يفعله الشاه، وهذا القول إما يدل على الجهل أو التجاهل، فنظام خميني أشد تمسكا بالأرض والحدود والمصالح الإيرانية من نظام الشاه، ومشاكله مع العرب هي عبارة عن وراثة كاملة لمشاكل الشاه مع العرب، وأاغلب مصادر الخلافات مع العرب متوارثة من زمن الشاه وما قبله، والفرق الجوهري بين التوسع الشاهنشاهي والخميني هو أن الثاني أشد تطرفا وأوسع جغرافية لأنه باسم الإسلام يريد حكم العالم برمته وليس العالم الإسلامي كما يعلن الدستور الإيراني. لم لا تتراجع ايران خميني وخامنئي عن احتلال الجزر الثلاث التي احتلها الشاه إذا كانت إسلامية حقا وليس قومية؟ ولم تستمر في نفس سياسة الشاه في رفض الاعتراف بالقومية العربية في الأحواز، وبالقوميات الأخرى مثل الاذرية والبلوشية والكردية، وتصر على تذويبها بالقومية الفارسية عبر فرض اللغة الفارسية عليها، وتنظم مجازر دورية ضد المطالبين بحقوقهم القومية هناك؟ هل شاهد أحد أي تراجع في زمن خميني عن السياسات التوسعية الإيرانية الشاهنشاهية؟ بالطبع كلا، فأن التوسعية الإيرانية في زمن خميني أصبحت أشد وأوسع وأنشط وأخطر مما كانت عليه في زمن الشاه، ألا يناقض ذلك المرونة والتسامح بين المسلمين؟
اسألوا الأحياء من الوسطاء العرب الذين أرادوا تخفيف التوتر بين العراق وإيران قبل الحرب ومن أراد إيقاف الحرب بعد وقوعها؟ من كان متشددا ويرفض الحوار والتفاوض وحل المشاكل بالتفاوض العراق أم إيران؟ اسألوا حسن الترابي وهو حي يرزق واسألوا توفيق مدني وهو حي رزق واسألوا ليث شبيلات وهو حي رزق عمن كان متشددا ويرفض الصلح والتفاهم، اسألوهم عن وعود إيران الكثيرة والتي تراجعت عن تنفيذها، ولم تراجعت عنها؟
لم هذا العداء الإيراني للفكر القومي العربي حيث تثقف إيران أنصارها العرب على كره القومية العربية والتنظيمات القومية والفكر القومي العربي، واعتبارها مناقضة للإسلام لكنها بنفس الوقت تتمسك بالقومية الفارسية؟ إن العداء المطلق للبعث لا يمثل إلا رأس جبل الجليد الطافي، وتعزيز الكراهية للعروبة وعدها عنصرية هو الوجه الأمامي في رأس جانوس الإيراني اما الوجه الخلفي فهو التمسك بالقومية الفارسية، وهذه بعض الأمثلة:
1 – حينما رشح خميني جلال الدين الفارسي كأول رئيس لـ(جمهورية إيران الإسلامية) لم يرشح أحد ضده لأنه مرشح الإمام! وكان فوزه مضمونا، ولكن في الفترة القليلة السابقة للانتخابات أخبر خميني بأن جلال ليس فارسيا بل آذريا (تركيا) فأمر بانسحابه ورشح بني صدر بدلا عنه! ألا يدل ذلك على أن إمام الأمة يميز على أساس عرقي؟
2 – قابل محمد حسنين هيكل خميني بعد استيلاءه على السلطة لإجراء مقابلة صحفية معه، وكان هيكل يعلم أن خميني يتقن العربية كالفارسية، لأنه كان يدرس بها في النجف، لكنه فوجئ حينما وجه إليه الأسئلة بالعربية لغة القرآن برد خميني بالفارسية وقيام مترجم بالترجمة إلى العربية! يقول هيكل حينما خرجت من اللقاء كانت الفكرة التي استحوذت علي هي أن خميني قومي فارسي.
3 – وتتكرر القصة مع الكاتب والسفير الفرنسي الذي يتقن العربية (اريك رولو)، والذي ذهب في نفس الفترة لمقابلة خميني وظن أن من الأفضل أن يوجه الأسئلة بالعربية، ففوجئ بأن خميني يجيب عليه بالفارسية، فيخرج بنفس استنتاج هيكل مع أنهما لم يتحدثا إلى بعضهما: خميني قومي فارسي متعصب! لم هذا العداء للعروبة والذي جعل خميني يقول بعد وصوله إلى إيران: بعد الشاه جاء دور صدام حسين؟ ثم أعقب ذلك بإهانة المرحوم احمد حسن البكر وكان رئيسا لجمهورية العراق رغم أنه كان أول رئيس دولة يبعث له ببرقية تهنئة بالانتصار، فيكون رده (والسلام على من اتبع الهدى)؟ أليس من أخلاق الإسلام احترام الأقوام كلها خصوصا الإسلامية وعدم التمييز بينها؟ نعم يبدأ الحط من شأن القومية والعروبة باسم الإسلام بافتعال تعارض معها لكنه ينتهي بتجريد العربي من أهم عوامل قوة حصانته وهو هويته القومية.
وأخيرا وليس آخرا فأن الموقف الإيراني في زمن الملالي من قضية الشيشان في روسيا وهو الوقوف ضد الشيشان مع أنهم مسلمين، ومن قضية الصراع بين أذربيجان المسلمة الشيعية وأرمينيا المسيحية، هو الوقوف مع أرمينيا ضد أذربيجان، إن ذلك كله يؤكد الطبيعة القومية للمشروع الإيراني التوسعي ويسقط بحسم الغطاء الديني والطائفي التي يتبرقع به.
يتبع
Labels: Iran or USA?, Who is more dangerous